
كشفت دراسة حديثة نُشرت في مجلة Nature Communications عن اكتشاف غير مسبوق لعنصر الليثيوم في الغلاف الخارجي (الإكسوسفير) لكوكب عطارد، وذلك باستخدام تقنية جديدة تعتمد على تحليل موجات مغناطيسية بدلًا من أدوات الكشف التقليدية.
ويُعد هذا الاكتشاف الأول من نوعه لليثيوم في الغلاف الغازي لأصغر كواكب المجموعة الشمسية، ما يُمثل تحولًا كبيرًا في فهمنا للكيمياء السطحية لعطارد وآلية تكوين غلافه الرقيق.
كيف تم الاكتشاف؟
على عكس الكواكب التي تمتلك أغلفة جوية كثيفة، يتمتع عطارد بغلاف خارجي بالغ الرقة يتكون من ذرات وجزيئات متفرقة، مما يصعّب رصد العناصر مباشرة عبر أجهزة التحليل الطيفي التقليدية، ولهذا استخدم العلماء طريقة غير مباشرة لتحليل ما يُعرف بموجات السيكلوترون الأيونية الناتجة عن تفاعل الرياح الشمسية مع ذرات الليثيوم المتأينة حديثًا.
عندما تصطدم الأشعة فوق البنفسجية الشمسية بذرات الليثيوم، فإنها تُأينها وتطلقها في الفضاء، مسببةً موجات كهرومغناطيسية بتردد محدد يمكن رصده، وهذه “البصمة المغناطيسية” أتاحت أخيرًا تأكيد وجود الليثيوم بعد عقود من الجدل حول وجوده.
بيانات من مركبة MESSENGER
قاد الدراسة الباحث دانيال شميت من أكاديمية العلوم النمساوية، حيث استعرض الفريق بيانات مغناطيسية جمعها مسبار MESSENGER التابع لوكالة ناسا على مدار أربع سنوات، ومن خلال تحليل 12 حدثًا قصيرًا – كل منها لا يتعدى بضع دقائق – تمكنوا من رصد موجات مميزة مرتبطة بالليثيوم.
ويرجح الفريق أن هذه الذرات لا تنبع من باطن عطارد، بل من الاصطدامات النيزكية، فعندما تضرب النيازك سطح عطارد بسرعات هائلة، تُحدث سُحبًا بخارية تحتوي على الليثيوم، تُطلق إلى الغلاف الخارجي عند الاصطدام.
وبحسب الدراسة، فإن النيازك التي يتراوح قطرها بين 13 و21 سنتيمترًا قادرة على تبخير ما يصل إلى 150 ضعف كتلتها، مما يؤدي إلى إطلاق عناصر متطايرة مثل الليثيوم في الجو.
implications على الكواكب الأخرى
يرى الباحثون أن هذه النتائج لا تقتصر على عطارد فحسب، بل قد تمتد لفهم الطريقة التي تحتفظ بها الأجرام السماوية الصغيرة – الخالية من الهواء – بعناصر متطايرة.
وقد يُعيد ذلك تشكيل تصور العلماء حول التطور الكيميائي للكواكب الصخرية والأقمار الصغيرة الأخرى في النظام الشمسي.
وبحسب شميت، فإن القدرة على تتبع عناصر دقيقة مثل الليثيوم عبر ترددات كهرومغناطيسية، تُشكل قفزة نوعية في استكشاف الأغلفة الجوية الرقيقة، وتمهد الطريق لفهم أعمق للعمليات الجيولوجية في الفضاء الخارجي.
يؤكد هذا الكشف مجددًا أن حتى الكواكب “الصامتة” مثل عطارد لا تزال تحمل مفاجآت علمية، وأن التكنولوجيا الحديثة تتيح للعلماء طرقًا مبتكرة لفك ألغاز كونية طال انتظارها.