
أصبح عقد التأمين ضد الحرائق، فى الوقت الراهن، أحد العقود الحيوية والضرورية التى يلجأ إليها الأشخاص والمؤسسات لمواجهة مخاطر الحرائق. فقد أدى تطور الحياة الاقتصادية وتشعبها، وظهور التكنولوجيا الحديثة فى الصناعات، وزيادة حجم التجارة وتنوعها، وتطور وسائل النقل، إلى تزايد أهمية هذا النوع من التأمين.
كما ساهم ظهور المنشآت الصناعية والتجارية الكبرى ذات القيم المالية المرتفعة فى تصاعد المخاوف من الخسائر الجسيمة التى قد تنتج عن نشوب الحرائق، وهى خسائر لا تقتصر آثارها على مالك الشىء محل التأمين- أى المؤمن له- بل قد تمتد لتؤثر فى الاقتصاد القومى للدولة بأكملها.
ولمواجهة هذا الخطر، سعى الإنسان إلى إيجاد وسيلة فعّالة تحفظ مصالحه وتضمن تعويضه عن الأضرار الناتجة عن الحرائق. ومن هنا نشأت فكرة التأمين ضد الحرائق منذ وقت بعيد، وتطورت تدريجيًا حتى بلغت مستويات عالية من التقدم والتعقيد، بفضل فاعليتها فى تعويض المتضررين. وقد أدى ذلك إلى زيادة الإقبال على شركات التأمين وتوسع أنشطتها فى هذا المجال.
وأفادت دراسة حديثة لاتحاد شركات التأمين المصرية بأن شركات التأمين تعمل على أداء دورها فى تعويض المؤمن لهم حال تعرضهم للضرر من الحرائق. ويتم ذلك وفقًا لقواعد إحصائية دقيقة وبيانات مدروسة، ومن خلال إجراءات متطورة تهدف إلى ضمان العدالة والكفاءة فى تقديم التعويضات.
نشأة تأمين الحريق
يُعد تأمين الحريق من أقدم أنواع التأمينات التى عرفها الإنسان، وقد نشأ استجابةً لحاجة ملحّة إلى وسيلة تُمكّنه من مواجهة الخسائر الفادحة التى قد تنجم عن نشوب الحرائق، خاصة فى ظل تطور العمران والتجارة وتوسع النشاط الصناعى. وتعود بدايات هذا النوع من التأمين إلى أوروبا فى أعقاب الحريق العظيم الذى اجتاح مدينة لندن عام 1666، حيث أتى على آلاف المنازل والمحال التجارية، وكشف عن حجم الكارثة التى يمكن أن يسببها الحريق فى غياب آلية لتعويض المتضررين. وقد شكّل هذا الحدث نقطة تحول رئيسية أدت إلى تأسيس أولى شركات تأمين الحريق، ومن ثم انتشرت الفكرة تدريجيًا فى مختلف الدول.
ومع مرور الزمن وتزايد تعقيد النشاط الاقتصادى وارتفاع قيمة الممتلكات، تطورت نظم تأمين الحريق وأصبحت أكثر تخصصًا وتنظيمًا، مدعومة بقواعد فنية وإحصائية تُسهم فى تقييم الأخطار وتحديد الأقساط والتعويضات. وأصبح تأمين الحريق يشكّل دعامة أساسية لحماية الأفراد والمؤسسات من الآثار المدمرة للحرائق، كما بات أداة مهمة لدعم الاستقرار الاقتصادى والتنموى فى المجتمعات الحديثة.
ما الذى يجعل الصيف موسمًا للحرائق الكهربائية؟
يعد فصل الصيف بيئة محفزة لوقوع الماس الكهربائى لعدة أسباب: أولها زيادة الأحمال على الشبكات، حيث تزداد معدلات تشغيل أجهزة التكييف والمبردات مع ارتفاع درجات الحرارة، ما يؤدى إلى ضغط زائد على التوصيلات.
ويعنى ذلك استهلاك المبنى كميات كبيرة من الطاقة الكهربائية لتشغيل أجهزة التكييف الصناعية على مدار الساعة، لاسيما خلال شهور الصيف. ويؤدى الضغط الحرارى المستمر واستهلاك الطاقة المكثف إلى رفع درجة حرارة التوصيلات الكهربائية داخل المبنى، بما يُمهد الطريق لحدوث ماس كهربائى أو شرارة تؤدى إلى اندلاع الحريق.
وتُعتبر الحرائق من أهم المخاطر التى تهدد المبانى السكنية والتجارية. حيث أوضحت أبحاث معهد IBHS، الأمريكى، أن أكثر من 4.8 مليون منزل فى الولايات المتحدة تتعرّض لخطر الحرائق، بما فى ذلك 2 مليون منزل فى كاليفورنيا فقط، ما تسبب فى خسائر قدرها 5.1 مليار دولار خلال العقد الماضى. كما أوضح تقرير مشترك أن إضافة تصاميم مقاومة للحريق، مثل الأغطية غير القابلة للاشتعال، يقلل من احتمالات الخسائر المادية بشكل ملحوظ.
تأثير الحرارة المرتفعة
على تعويضات التأمين
تُشكّل الحرارة الشديدة خطرًا متناميًا على قطاع التأمين، بفروعه المختلفة.
التأثير على تأمين الممتلكات:
تؤدى درجات الحرارة المرتفعة إلى أضرار مباشرة وغير مباشرة على تأمين الممتلكات، ما قد يتسبب فى:
■ زيادة احتمالية انقطاع التيار الكهربائى بسبب الضغط الزائد على الشبكات.
■ زيادة مخاطر اندلاع حرائق الغابات نتيجة الجفاف ودرجات الحرارة المرتفعة، مما يتسبب فى أضرار مباشرة للمبانى والمرافق.
■ احتمالية تعرض البنية التحتية للنقل والمياه والطاقة لخطر التلف أو الانقطاع، مما يؤدى إلى ارتفاع المطالبات التأمينية فى قطاعى الممتلكات وأنواع التأمين الخاصة.
■ تلف المبانى والمنشآت، نتيجة تمدد المواد أو تآكلها تحت الضغط الحرارى.
■ اضطرابات تشغيلية فى المصانع ومراكز البيانات أو شبكات النقل والطاقة، وهو ما ينعكس فى شكل خسائر تشغيلية ومطالبات تأمينية ضمن وثائق تأمين الممتلكات.
وعندما تتسبب الحرارة المرتفعة فى اندلاع حرائق غابات أو حرائق صناعية، فإن احتمالية تدمير الممتلكات ترتفع بشكل كبير، وهو ما يؤدى إلى مطالبات ضخمة فى تأمينات الممتلكات التجارية والسكنية.
وفى التأمين الزراعى تؤدى موجات الحرارة الشديدة إلى أضرار مباشرة على المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية، حيث تتسبب فى:
■ ذبول المحاصيل وتلفها بسبب الجفاف وارتفاع درجات الحرارة.
■ انخفاض إنتاجية الأراضى وتراجع جودة المحاصيل، مما يهدد الأمن الغذائى ويدفع المزارعين إلى تقديم مطالبات تأمينية لتغطية الخسائر.
■ نفوق الماشية أو إصابتها بأمراض ناتجة عن الإجهاد الحرارى أو نقص المياه، مما يؤدى إلى زيادة المطالبات فى تأمين الثروة الحيوانية.
ومع تكرار هذه الظواهر المناخية الحادة يُتوقع أن تسجل شركات التأمين ارتفاعًا ملحوظًا فى مطالبات التأمين الزراعى، وهو ما يتطلب تطوير أدوات تقييم جديدة للمخاطر المناخية ومرونة أكبر فى تصميم وثائق التأمين لتواكب هذا التحوّل البيئى.
بالإضافة إلى ذلك، قد تظهر مطالبات ضمن التأمينات الهندسية، خصوصًا عندما يُكتشف أن تصميم المبانى أو الآلات غير ملائم لتحمّل درجات الحرارة الشديدة. فى هذه الحالة، يُسجل فشل فى الأداء أو تلف فى المعدات بسبب غياب المعايير الحرارية فى التصميم أو التنفيذ.
أهمية التأمين على المبانى والمنشآت
ضد الحريق
قد تؤدى الحرائق والكوارث غير المتوقعة إلى خسائر فادحة لا يمكن تعويضها بدون وجود تغطية تأمينية فعّالة.
فوائد التأمين على المبانى:
■ تعويض كامل أو جزئى عن تكلفة إصلاح أو إعادة بناء العقار.
■ تغطية الأضرار التى تلحق بالمحتويات (معدات، أثاث، أجهزة إلكترونية).
■ توفير بديل مؤقت فى حالات تعطل النشاط التجارى.
■ حماية من الخسائر الناتجة عن توقف الخدمات أو الدخل.
■ دعم استقرار المنشأة واستمرارها فى تقديم خدماتها بعد الحادث.
أنواع التأمين المناسبة
وفقًا للمعايير العالمية، توجد عدة أنواع من التأمين التى تغطى مثل هذه المخاطر، منها:
1- التأمين ضد الحرائق والأخطار الإضافية: يغطى الحرائق والانفجارات والماس الكهربائى وغيرها.
هذا النوع الأساسى ضرورى لأى مبنى. يتضمن عادة تغطية لأضرار المبنى الناتجة عن الحريق، الانفجار، والماس الكهربائى، والتى تعد من أهم المخاطر. وفقًا لمجموعة التأمينات، يشمل هذا النوع جميع مصادر الخطر المحتملة، بما فيها الصواعق والمواد المتفجرة.
حسب التقرير الصادر عن إحدى كبرى شركات التأمين العالمية المستند إلى تحليل أكثر من 530 ألف مطالبة خلال الفترة من 2017 إلى 2021، كان «الحريق والانفجار» هو الخطر الأكبر، حيث شكل 21٪ من إجمالى قيمة المطالبات التأمينية المقدمة لشركات التأمين.
2- تأمين خسارة الأرباح الناتجة عن أو بسبب توقف كلى أو جزئى للنشاط.
بخلاف التأمين على الممتلكات، يركز هذا النوع على الأثر الاقتصادى الناتج عن توقف النشاط. فهو يشمل التدفقات النقدية المفقودة، وكلفة دفع الرواتب، والدفعات الثابتة خلال فترة توقف العمل أو خلال فترة إعادة التشغيل.
3- تأمين المبنى والمحتويات.
هو جانب يغفل عنه البعض، لكنه بالغ الأهمية، إذ يغطى ما هو قائم داخل المبنى، من أثاث وأجهزة تقنية وحتى المستندات. وهذا يوفر حماية مالية شاملة فى حال وقوع الحريق، بحيث لا تقتصر الحماية على الهيكل فقط.
بعض التجارب العالمية
فى دول مثل الولايات المتحدة وأستراليا، أثبتت التجارب أن وجود تأمين متكامل للمبانى والبنية التحتية الرقمية ساهم فى:
■ تقليص فترة التوقف بعد الحوادث.
■ تسريع عملية صرف التعويضات وإعادة التأهيل.
■ دعم الاقتصاد المحلى من خلال سرعة استعادة النشاط.
كما أن برامج «مقاومة الحريق» Incentives – Wildfire Prepared Home التى تم تطبيقها فى كاليفورنيا، قد خفّضت بشكل ملحوظ حجم الخسائر عند تكرار الحوادث، وذلك بفضل تكامل التأمين مع تدابير السلامة. ويتلخص البرنامج فى:
■ توفير معايير علمية واضحة لتحصين المنازل ضد مخاطر الحريق.
■ يشمل حوافز تأمينية، مثل خصومات أقساط التأمين لمن يطبقون إجراءات الوقاية (أسقف مقاومة للحريق، مساحة خالية حول المنزل، فتحات مقاومة للشرر... إلخ).
■ التعاون بين معهد IBHS الأمريكى وشركات التأمين والجهات الحكومية المحلية.
الفجوة التأمينية عالميًا:
فى عام 2024، تسببت الكوارث الطبيعية فى خسائر اقتصادية هائلة بلغت 320 مليار دولار عالميًا، إلا أن التعويضات التأمينية غطت فقط نحو 140 مليار دولار منها، أى ما يعادل 44٪ فقط من حجم الخسائر. ما يعنى أن 56٪ من الأضرار بقيت غير مغطاة تأمينيًا، وهو ما يعكس فجوة ضخمة فى الحماية المالية تؤثر بشكل مباشر على المجتمعات والاقتصادات فى الدول ضعيفة التأمين.
ووفقًا لتقرير «Munich Re» يناير 2025:
■ بلغ إجمالى الخسائر: 320 مليار دولار.
■ بلغ إجمالى مبالغ التأمين: 140 مليار دولار.
■ بلغت نسبة التأمين 44٪ من مجموع الخسائر.
ورغم أن هذه النسبة أعلى من متوسط السنوات الثلاثين الماضية، لكن سرعان ما كشفت عن هشاشة البنية التأمينية فى مواجهة الكوارث المتزايدة.
اتجاهات سوق التأمين العالمية ضد الحريق:
يرجع نمو السوق بشكل رئيسى إلى تزايد عوامل عدم اليقين، مثل تزايد حوادث الحريق. إضافةً إلى ذلك، يُمثل الوعى المتزايد بالمزايا العديدة التى تُقدمها وثيقة التأمين ضد الحريق عاملاً رئيسيًا آخر مُحفزًا للنمو. علاوةً على ذلك، تُقدم الشركات الرئيسية وثائق تأمين جديدة بتغطية شاملة وأقساط معقولة لتوسيع قاعدة عملائها واكتساب ميزة تنافسية، مما يُسهم أيضًا فى نمو السوق. إضافةً إلى ذلك، تُقدم شركات التأمين فى العديد من الدول وثائق تأمين مُيسّرة ومعايير سلامة صارمة لزيادة الوعى بالمزايا المُتنوعة التى يُقدمها التأمين ضد الحريق.
ومن المتوقع أن تُعزز سهولة تسوية المطالبات، وارتفاع الدخل المتاح، والعديد من الابتكارات فى المنتجات نمو السوق. وتتوقع مجموعة «IMARC» أن تصل القيمة السوقية إلى 139.3 مليار دولار أمريكى بحلول عام 2033، بمعدل نمو سنوى مركب قدره 6.2٪ خلال الفترة (2025- 2033).
ويرى اتحاد شركات التأمين المصرية أن التأمين ضد أخطار الحريق يعد من أبرز أدوات الحماية المالية التى تساهم فى تعزيز الاستقرار الاقتصادى والاجتماعى، من خلال دوره الحيوى فى تعويض الأفراد والشركات عن الأضرار والخسائر التى قد تلحق بهم نتيجة هذا الخطر.
كما يرى الاتحاد أن تعزيز الوعى التأمينى لدى المواطنين بأنواع التغطيات التأمينية التى تقدمها شركات التأمين ضد الحريق، وتحديث وثائق التأمين لتواكب المستجدات الحديثة فى المخاطر، تعد من الركائز الأساسية لتوسيع قاعدة المستفيدين من التأمين ضد الحريق، خاصةً فى ظل تزايد الكوارث الناتجة عن التغيرات المناخية، وسوء استخدام مصادر الطاقة، والتوسع العمرانى غير المنضبط.
دعا الاتحاد إلى دعم خطط التحول الرقمى فى إصدار وثائق الحريق لتسهيل الوصول إلى التغطيات التأمينية، خاصةً فى المناطق النائية، والتعاون مع الجهات الحكومية والرقابية لنشر ثقافة السلامة الوقائية، وتطبيق معايير الحماية المدنية للحد من مسببات الحريق، وتشجيع منتجات التأمين متناهى الصغر لتغطية محدودى الدخل وأصحاب المشاريع الصغيرة ضد هذه الأخطار.
أكد الاتحاد التزامه بمواصلة تطوير السوق التأمينية المصرية، وتعزيز قدرتها على التعامل الفعّال مع أخطار الحريق، بما يسهم فى حماية الأصول والثروات، وتحقيق الأمن الاقتصادى للمواطنين والدولة.