دعوات لـ«مليونية الجمعة» الأكبر.. كيف تحدّى الجزائريون شبح «العشرية السوداء»؟

[real_title] مع استعداد الجزائر للتظاهرات الأكبر في تاريخ البلاد ودعوات «مليونية الجمعة» السلمية رفضا لقرارات الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، برز الحديث عن "العشرة السوداء فزاعة النظام من الاحتجاجات .. فما هي "العشرية السوداء"؟ وما أسباب الأحداث الدموية التي لا ينساها الجزائريون؟.

 

فعلى مدار سنين طويلة، يتخذ الخطاب الرسمي الجزائري من "العشرية السوداء" فزاعة لمنع اي احتجاج طلابي أو سياسي أو نقابي أو عمّالي، وعادة ما توصم التحركات المطلبية بأنها "دعوة للفوضى" و"حنين للعشرية السوداء"، ومع المليونية المرتقبة، والتي ما إن حدثت ستشعل الشارع الجزائري، لم يعد من الممكن التكهن بنتائج الاحتجاجات.

 

وفي الساعات الأخيرة، كشفت مصادر سياسية رفيعة المستوى في الجزائر عن تجهيزات كبيرة تقوم بها أحزاب سياسية معارضة بالتعاون مع النقابات والمؤسسات الحكومية والخاصة، للتجهيز لأكبر مسيرة سلمية قد تحصل في تاريخ الجزائر، ضد قرارات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الأخيرة.

 

وتوقعت المصادر أن يتجاوز عدد المشاركين في المسيرة السلمية الحاشدة الـ10 ملايين جزائري وجزائرية، ومن جميع أنحاء الوطن، مشيرةً إلى أن "هذه المسيرة ستكون الكبرى والأكثر أهمية في تاريخ الجزائر الحديث، التي تطالب بإسقاط قرارات الرئيس".

 

 

جيل "لا للعهدة الخامسة" مختلف

 

ومع توالي الدعوات اليوم للتصدي لـ"تمديد العهدة الرابعة"، يعتمد الخطاب الموالي في الجزائر كثيرا على شبح العشرية السوداء لإقناع المنتفضين ضدّ بوتفليقة بأن البلاد ليست في مأمن عن سيناريو مشابه لما جرى في التسعينات.

 

لكنّ المتابعين يرون أنّ الجزائريين بمسيراتهم السلمية والمنظمة والراقية، قدمت دروسًا لكل السياسيين المتخوفين من "العشرية السوداء"، فالبلاد أمام جيل مختلف شاهد ثورات الربيع العربي وتعلم منها ، ودور الإسلاميين في التحركات الحالية لا يبدو معلوما ، خاصة وأن مواقفهم ليست موحدة تجاه النظام الجزائري .
 

فعلى الرغم من ان الاحتجاجات تندلع في البلاد على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية ضد ترشح بوتفليقة لعهدة خامسة وضد الفساد والبطالة ،إلا ان السلمية وعدم الصدام مع الجيش منح الاحتجاجات طابع مختلف.

 

فالاحتجاجات حركة المشهد السياسي الراكد منذ فترة طويلة والذي اتسم بصعوبات اجتماعية واقتصادية على مدى عقود وبسيطرة المؤسسة العسكرية النافذة على السلطة من وراء الكواليس وتمكنت من دفع بوتفليقة للتراجع عن الترشح للعهدة الخامسة.
 

 

 

شرارة اندلاع العشرية السوداء؟

 

كانت وفاة الرئيس الجزائري الأسبق هوّاري بومدين في ديسمبر  1978م دون نائب يخلُفه - وهو ما حرص عليه طوال حكمه- قد أشعل الصراع على خلافته بين رجال الحزب الحاكم بزعامة محمد صالح يحياوي وبين رجل الدبلوماسية الأول عبدالعزيز بوتفليقة، ليتدخل الجيش بدوره في هذا الصراع مرشحا واحدا من قدامى رجاله وهو الشاذلي بن جديد.

 

ونص دستور 1976 على ضرورة اختيار رئيس الجمهورية من قِبل جبهة التحرير الوطني حصرا.

 

وبالفعل، ارتقى الشاذلي بن جديد أمينا عاما لحزب جبهة التحرير، بما يعني أنه المرشح الوحيد لرئاسة الجمهورية لا سيما مع ثقله العسكري ، الأمر الذي أسفر في نهاية المطاف عن تقلده لمنصب رئيس الجزائر في 9 فبراير  1979م.

 

في ديسمبر1991 وبعد إعلان فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ (FIS) بأغلبية واسعة على حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم (FLN) في الانتخابات البرلمانية، بسط الجيش سيطرته الفعلية على الحكومة وأعلن حالة الطوارئ.

وألغت الحكومة الانتخابات بعد الجولة الأولى وتقدَّم الرئيس الشاذلي بن جديد باستقالته في يناير  من عام 1992، بعد 17 يوماً فقط من إعلان نتائج الانتخابات.

 

هذه العوامل وما تبعها من قرارات كانت شرارة اندلاع حرب أهلية في الجزائر أو ما يُعرف بالعشرية السوداء.

 

دور الحركات الإسلامية؟

 

 بعد ذلك، تم حظر حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ، ومُنع تماماً من المشاركة في الحياة السياسية في مارس  1992، وبدأ الجيش بإلقاء القبض على الآلاف من أعضائها.

 

 ولكن، سرعان ما برزت مجموعات مختلفة، وبشكل أساسي الحركة الإسلامية المسلحة (GIA) ومقرها أساساً في المدن.

 

وبدأت وقتها حملة مسلحة ضد الحكومة وأنصارها. كان شعار الحركة الإسلامية المسلحة «لا اتفاق ولا هدنة ولا حوار».

 

 وأعلنت الحرب على الجبهة الإسلامية للإنقاذ في عام 1994، بعد أن أحرزت تقدماً في المفاوضات مع الحكومة للتوصل إلى حل يخمد نار الفتنة المتسارعة التي ألقت بظلالها على معظم القرى والمدن الجزائرية.
 

وذهب العديد من أعضاء الحركة وأنصارها إلى الخفاء، مختبئين من القمع ضد الحزب، في حين اختار طرفها المتطرف طريق المقاومة المسلحة وتطور إلى عدة مجموعات عنيفة، وعلى الأخص «جيش الإسلام» (AIS)، الذي بدأ فيما بعدُ عمليات تفجير في مناطق متفرقة.

 

وأعطت حالة الطوارئ السلطات صلاحيات واسعة جداً، وهي خطوة أطلقت حملة اعتقال طويلة الأمد ضد مسئولي الجبهة الإسلامية وأنصار الحزب، وغيرهم ممن انضموا إلى الاحتجاجات التي تعارض صعود الجيش إلى السلطة.

 

وأصبحت الاعتقالات التعسفية روتينية في العقد الأسود بالجزائر.

 

واعتبر نشطاء الجبهة الإسلامية للإنقاذ الذين لم يطلهم الاعتقال ذلك إعلان حرب، وانتقل بعضهم إلى القتال جنباً إلى جنب مع الإسلاميين المتطرفين في الجبهة الإسلامية للإنقاذ.

 

واتخذوا التلال والجبال الواقعة في شمال الجزائر مقراً لهم لتنفيذ هجمات إرهابية باستخدام أنواع الأسلحة المتوافرة كافة، والتي لم تكن تستثني أحداً، مستفيدين من كثافة الأشجار التي شكلت لهم غطاء مناسباً لخوض حرب عصابات.

 

من الجدير ذكره أن الصحراء ذات الكثافة السكانية القليلة للغاية والموارد النفطية الغنية بقيت سلمية طوال فترة الصراع تقريباً.

 

 

متى اشتدت الفترة الدموية؟

 

بقيت الجزائر هادئة نسبياً حتى مارس 1993، حين تم اغتيال مجموعة من الأكاديميين الجامعيين والمثقفين والكُتاب والصحفيين والأطباء.

 

وعندما أصبح من الواضح أن القتال سيستمر بعض الوقت، تم تعيين اللواء الأمين زروال رئيساً جديداً للمجلس الأعلى للدولة عام 1994.

 

 واعتُبر أنه ينتمي إلى الحوار ومؤيد للتفاوض بدلاً من الفصيل الذي يتبنى فكرة المواجهة العسكرية في الجيش.

 

و بدأ الجيش الإسلامي للإنقاذ مفاوضات مع الدولة، وهي استراتيجية عارضتها بشدةٍ الجماعة الإسلامية المسلحة والمتشددون.

 

وفي نهاية أكتوبر 1994، أعلنت الحكومة فشل مفاوضاتها مع الجبهة الاسلامية للإنقاذ.

 

وشرع زروال في تنفيذ خطة جديدة تقضي بتحديد موعد لإجراء انتخابات رئاسية في عام 1995، في حين كان يشجع على «الاستئصال» مثل لاماري، وهو قائد أركان الجيش الوطني الشعبي الجزائري، وتنظيم «ميليشيات للدفاع عن النفس» في القرى لمحاربة المقاتلين.

 

 

وشهدت نهاية عام 1994 طفرة ملحوظة في العنف، فتعمقت عزلة الجزائر وغادرت معظم وكالات الصحافة الأجنبية، مثل رويترز، في حين أُغلقت الحدود المغربية وألغت الخطوط الجوية الأجنبية الرئيسية جميع المسارات.

 

وتفاقمت الفجوة الناتجة في التغطية الإخبارية، من خلال أمر حكومي في يونيو ، يحظر على الإعلام الجزائري الإبلاغ عن أي أخبار متعلقة بالإرهاب لا تغطيها البيانات الصحفية الرسمية.

 

وفي 26 أغسطس 1995، أعلنت الجماعة الإسلامية المسلحة الخلافة، أو حكومة إسلامية في الجزائر، حيث كان شريف غوسمي الخليفة «أمير المؤمنين».
 

في اليوم التالي، أعلن السيد مخلوفي انسحابه من الجماعة الإسلامية المسلحة، مدَّعياً ​​أن الجماعة الإسلامية المسلحة انحرفت عن الإسلام، وأن هذه الخلافة كانت محاولة من زعيم الجبهة الإسلامية للإنقاذ السابق، محمد سعيد، لتولي الجماعة الإسلامية المسلحة.

 

وواصلت الجماعة الإسلامية المسلحة هجماتها على أهدافها المعتادة، لا سيما اغتيال الفنانين، مثل الشاب حسني.

 

 وفي أواخر أغسطس ، أضافت ممارسة جديدة إلى أنشطتها: تهديد المدارس الإسلامية وضمن ذلك إحراقها بالكامل.

 

 في عام 1997، وصل الصراع إلى ذروته بين التمرد الإسلامي والنظام وخرج عن السيطرة.

 

 بعد 3 سنوات من صعوده، فقد الجيش الإسلامي للإنقاذ السيطرة على نطاق واسع ضد منافِسه الرئيسي، المجموعة المتطرفة المسماة الحركة الإسلامية المسلحة (GIA). لم تستهدف الجماعة الإسلامية المسلحة في الغالب منشآت الدولة، مثل الجيش الإسلامي للإنقاذ، ولكنها استهدفت بشكل منهجيٍّ الصحفيين والفنانين والأجانب، وحتى ارتكبت مذابح بين المدنيين. كما لجأت عدة خلايا إسلامية إلى الإخفاء القسري كأداة لنشر الخوف.

 

وتورطت الجماعة المسلحة الإسلامية في دماء الجزائريين في خلال عام 1997، وهو عام المجازر الكبيرة في العشرية السوداء، حيث أصدرت الجماعة في فبراير بيانا أعلنت فيه مسئوليتها عن مذبحة وقعت في بلدية حمام ملوان في منطقة بوقرة في العاشر من ذلك الشهر بحجة أن هذه المدينة السياحية كانت معروفة بعداء أهلها الشديد لله ورسوله وللمؤمنين وانتشار مليشيات "المرتدين" ومراكز الجيش المتفرقة بها. 
 

وأخيرا في سبتمبر 1997م صدر بيان عنتر الزوابري الذي أقرّ فيه بمسئوليته عن المذابح التي وقعت في 30 أغسطس  من ذلك العام في الرايس في منطقة سيدي موسى قرب العاصمة، والتي قُتل فيها ما بين 200 إلى 300 جزائري، وتلتها مذبحة بني مسوس والتي سقط فيها 80 شخصا، ثم المذبحة الأفجع في حي بن طلحة ، في ليلة 22-23 سبتمبر  1997م حيث ارتكب "الإرهابيون" مجزرة بشعة في حي "بن طلحة" إحدى الضواحي الجنوبية للعاصمة الجزائرية، راح ضحيتها 200 رجل وامرأة.

 

 

ما هو دور بوتفليقة؟

 

استؤنفت المحادثات بين الحكومة والجبهة الاسلامية للإنقاذ بالموازاة مع استمرار العمليات الإرهابية والقتل في مختلف المناطق الجزائرية؛ وهو ما دفع الرئيس زروال إلى الإعلان بشكل مفاجئ عن استقالته في 11 سبتمبر  1998.

 

تم تنظيم انتخابات جديدة، وفي 15 أبريل 1999 تم انتخاب عبد العزيز بوتفليقة، الذي كان مدعوماً من الجيش سابقاً، رئيساً للبلاد.

 

 واصل بوتفليقة المفاوضات مع الجيش الإسلامي للإنقاذ، وفي الخامس من يونيو وافق الجيش الإسلامي للإنقاذ على الحل.
 

وتابع بوتفليقة هذا النجاح من خلال العفو عن عدد من السجناء الإسلاميين المدانين بارتكاب جرائم بسيطة، ودفع قانون الوئام المدني من خلال البرلمان.

 

وسمح هذا القانون للمقاتلين الإسلاميين غير المذنبين في القتل أو الاغتصاب، بالإعفاء من الملاحقة القضائية إذا ما سلّموا أنفسهم.

 

وذكر موقع الجزيرة الإخباري أنه في عام 2005، تمت الموافقة على ميثاق السلام والمصالحة الوطنية في استفتاء، حيث قدَّم حصانة للمتمردين الإسلاميين بشرط أن يضعوا أسلحتهم في غضون 6 أشهر من الاتفاق.

 

وفي المقابل، مُنع المتمردون الإسلاميون، ومن ضمنهم قادة جبهة الإنقاذ الإسلامي، من المشاركة في السياسة.

 

وكانت الاستثناءات الوحيدة بالنسبة لأولئك المتورطين في مذابح أو اغتصاب أو قصف الأماكن العامة.

ونتيجة لذلك، استسلم آلاف المقاتلين الإسلاميين وانخرطوا في عملية السلام بالجزائر. وقال كمال رزاق بارا، أحد كبار مستشاري بوتفليقة، لمحطة الإذاعة الجزائرية العامة، في 29 سبتمبر ، احتفالاً بالذكرى العاشرة لتوقيع الميثاق: «إن اتفاقية الوفاق المدني وميثاق المصالحة أنقذا البلاد من الغرق أعمق في الفوضى».

 

يشار إلى ان بوتفليقة،  اعلن الإثنين الماضي، في رسالة وجهها إلى الشعب، سحب ترشحه لولاية رئاسية خامسة، وتأجيل انتخابات الرئاسة، التي كانت مقررة في 18 أبريل 2019، عقب حراك شعبيٍ دامَ أسابيع يطالب برحيله عن الحكم.

جميع الحقوق محفوظة لمصدر الخبر مصر العربية وتحت مسؤليتة ونرجوا متابعتنا بأستمرار لمعرفة أخر الأخبار علي مدار الساعة مع تحيات موقع موجز نيوز الأخباري

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى