[real_title] لا تزال أزمة تشكيل الحكومة في تونس تراوح نفسها رغم الحديث عن مشاورات حثيثة بين مختلف الأحزاب السياسية الفائزة بأكبر مقاعد البرلمان في الانتخابات التشريعية، فيما أفضت مناقشات مجلس شورى حركة النهضة المنعقدة السبت والأحد بمدينة الحمامات إلى ترشيح رئيس الحركة راشد الغنوشي لرئاسة البرلمان مع التمسك بحق تعيين رئيس الحكومة، وهو ما يعني أن تكون هذه الشخصية على الأرجح من خارج الحركة. وقالت المصادر إن هذا القرار اُتخذ بأغلبية 75 صوتا من مجموع الحضور، وأن 18 عضوا تمسكوا برئاسة الحكومة. ويبقى التساؤل عن مدى إمكانية نجاح النهضة في ترؤس البرلمان وهو ما يسلتزم عقد تفاهمات مع الكتل الكبرى، ويبدو أن هناك اتفاقا يجري ترتيبه بهذا الخصوص، وفق تأكيدات قيادات حزبية لـ "العربي الجديد". يشار إلى أن النهضة الإسلامية في تونس فازت بالأغلبية في الانتخابات التشريعية التي انتظمت في شهر أكتوبر الفارط وذلك بـ 52 مقعدا. وقال رئيس مجلس شورى حركة النهضة عبد الكريم الهاروني في تصريحات صحفية إثر انعقاد الجلسة أن المجلس سيبقى في حالة انعقاد، وأن الحركة ستشرع في عقد جلسات تفاوض جديدة من أجل تشكيل الحكومة وأنها تتمسك بحقها في تعيين رئيس الحكومة. مأزق الحركة وتجد الحركة نفسها في مأزق حقيقي بشأن تشكيل الحكومة، لأنها أعلنت منذ البداية أن أولويتها ستكون التفاوض مع ما سمتها بأحزاب الثورة، "التيار الديمقراطي" وحركة "الشعب" و"ائتلاف الكرامة"، وفي مستوى ثانٍ حركة "تحيا تونس"، ولكنها اصطدمت برفض كل هؤلاء باستثناء "ائتلاف الكرامة". ولم تتوفق "النهضة" في مشاوراتها مع "التيار الديمقراطي"، وأعلنت، الخميس، أن لقاء ثانياً جمع رئيس الحركة راشد الغنوشي بوفد من "التيار الديمقراطي" ضم أمينه العام محمد عبو ونائبه محمد الحامدي، مؤكدة أن "التيار تمسك بمقاربته للحكومة القائمة على رفض ترؤس حركة النهضة الحكومة مع تمسكه بالوزارات الثلاث"، في إشارة إلى الداخلية والعدل والإصلاح الإداري. ووصفت الحركة في بيان لها اللقاء بـ"الإيجابي" من دون أن توضح مكامن هذه الإيجابية أمام هذا التمسك المطلق للتيار بكامل شروطه التي وُصفت بالتعجيزية. وكشفت "النهضة" أيضاً أن حركة "الشعب" تصر على عدم المشاركة في حكومة ترأسها "النهضة". وكان القيادي في "الشعب" خالد الكريشي قد أشار في تصريح صحافي إلى "أن الكرة في ملعب النهضة وننتظر قرار مجلس شورى الحركة وماذا سيقرر؟"، وأنه "إذا قررت الحركة اختيار شخصية من داخلها فلن نكون في الحكومة ولن نمنحها ثقتنا في البرلمان، سواء لرئاسة الحكومة أو رئاسة البرلمان أو الحكومة التي ستشكلها. وبإمكان النهضة إشراك قلب تونس كغيره من الأحزاب البرلمانية، أما مشاركتنا في حكومة فيها قلب تونس فذلك متروك للأحداث ولكل حادث حديث". ولم تتخلّف حركة "تحيا تونس" عن المناخ السائد، إذ أكدت مرة أخرى إثر اجتماع هيئتها السياسية، أنها غير معنيّة بالمشاركة في الحكومة "احتراماً لنتائج الانتخابات التشريعية وانسجاماً مع مُقتضيات الدستور". وحذرت من أنّ تعطّل مسار تشكيل الحكومة "ستكون له انعكاسات سلبيّة على سير عجلة الدولة ورعاية مصالح المواطنين، وسيؤثّر على التزامات تونس مع شركائها الدوليّين ومصالحها". واقترحت في المقابل، تشكيل "حكومة مصلحة وطنية ترتكز على برنامج إصلاح وطني تعمل على مواصلة تفعيل الإصلاحات الكبرى وتواصل الحرب على الإرهاب والفساد، وتستجيب لتطلّعات الشعب، يشارك فيها طيْف سياسي وطني واسع وتحظى بدعم المنظّمات الوطنية، توفيراً لأكثر أسباب النجاح والقدرة على مجابهة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الصعبة". وقالت "تحيا تونس" إن مقترحها يأتي "مساهمةً في حلحلة التأزّم السياسي الراهن الذي يمكن أن يعطّل تكوين الحكومة المقبلة"، داعية كل الأحزاب والقوى الوطنية لـ"تحمّل مسؤولياتها التاريخية بالتخلي عن المنطق الحزبي الضيق والمحاصصة حِمايةً لمسار الانتقال الديمقراطي والاستقرار السياسي في البلاد"، وفق نص البيان، وهو ما يعني بوضوح أنها تدعو أيضاً إلى حكومة لا ترأسها "النهضة" وربما لا تشكلها أيضاً وقد تكون مشاركتها فيها شكلية لا غير. وتدخل "النهضة" مجلس شوراها بحيرة كبيرة، فقد أكد هذا المجلس في اجتماعه الأخير على ضرورة أن تتولى "النهضة" قيادة الحكومة بأغلبية 95 صوتاً مقابل ثلاثة، وأقنعت أنصارها بذلك، ولا يُعرف كيف ستتراجع عن ذلك الآن وتقنعهم مرة أخرى بالعكس. ويبدو أن "النهضة" مصدومة من هذا الرفض الذي شمل أغلبية الأحزاب، ولكنها ستحتاج إلى أفكار جديدة وإلى تغيير استراتيجيتها بالكامل للخروج من هذه العزلة وقلب المعطيات لصالحها، وعلى الرغم من هذه الوضعية المقلقة حالياً إلا أنه لا تزال بيدها أوراق كثيرة لتناور بها في الشهرين المقبلين، بعد تكليفها رسمياً من قِبل قيس سعيّد إثر الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات، ولكنها ستكون أمام ضغط الوقت، إذا ربطت رئاسة الحكومة برئاسة البرلمان لأنه لا تفصل إلا أيام قليلة عن الجلسة الافتتاحية للولاية النيابية الجديدة. المرشحون لرئاسة الحكومة ويظل منصب رئيس الحكومة مثار تجاذبات عديدة نظرا لأهميته ودوره في وضع الخطط والاستراتيجيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية طيلة الخمس سنوات المقبلة. وقالت إذاعة "موزاييك" الخاصة وفق مصادر وصفتها بالعليمة الجمعة ان النهضة ستطرح خلال اجتماع مجلس الشورى الذي سيعقد السبت والأحد اسم بن جعفر لترؤس المنصب الأهم في تونس. http://www.youtube.com/embed/TT1qF98Mc3k وكانت مصادر مطلعة قد أكدت وجود تغيرات لدى بعض قيادات حركة "النهضة" بشأن التشكيل الحكومي، حيث بدأ بعضها يقتنع بواقع عدم وجود قبول من الأحزاب التي تم التشاور معها لرئاستها للحكومة، وهو ما يؤدي إلى طريق مسدود في الوقت الحالي. ولفتت المصادر إلى أنه تمت مناقشة بعض الأسماء القادرة على رئاسة الحكومة من خارج "النهضة"، وطُرحت أربعة أسماء هي مصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي السابق، والياس الفخاخ القيادي بحزب "التكتل" والمرشح للانتخابات الرئاسية الأخيرة والوزير الأسبق للمالية، وحمودة بن سلامة الناشط السياسي المستقل، وحبيب الكشو الذي شغل خطة مستشار لدى وزير الشؤون الاجتماعية بعد الثورة. وترجح المصادر أن بن جعفر والفخاخ يحظيان بفرص أكبر من البقية لدخول هذا السباق، وإذا صحّت هذه الأسماء التي تم تداولها لدى بعض الدوائر النهضوية، فإنه يتعيّن أولاً إقناع مجلس شورى "النهضة" بذلك، ثم بقية الشركاء الذين أصرّوا على عدم ترؤس "النهضة" للحكومة. جعفر الأكثر حظوظًا ويرى مراقبون ان اختبار النهضة لشخصية بن جعفر في حال تاكد له اكثر من دلالة وهي رسالة موجهة في الأساس لبعض الاحزاب الرافضة لدخول حكومة برئاسة احد قيادات الحركة. ورغم ان مصطفى بن جعفر شخصية تحظى بالاحترام نظرا لدوره في النضال ضد نظام بن علي وافكاره الوسطية لكنه اتهم في مرحلة ما بالتقرب من النهضة. وكان بن جعفر الذي تولى الامانة العامة لحزب التكتل من اجل العمل والحريات دخل في تحالف مع النهضة وذلك اثر انتخابات 2011 حيث ترأس المجلس الوطن التاسيسي الذي تعهد بكتابة دستور جديد للبلاد. لكن الحزب مني بهزائم كبيرة في انتخابات 2014 بسبب هذا التقارب حيث يقول بن جعفر "ان التكتل احترق من اجل تونس" وذلك في تبرير دخوله في حكومة بقيادة النهضة بعد انتخابات 2011. ودائما ما يطرح بن جعفر نفسه شخصية توافقية حيث دعا الأحزاب الى ترشيحه لمنصب رئاسة الجمهورية باعتباره قادرا على ضمان التوافق في الحياة السياسية ولعب دور الوسيط. لكن بن جعفر اظهر تقاربا كبيرا مع حركة النهضة في الفترة الأخيرة ما يشير الى إمكانية عقد صفقة بينه وبين حركة النهضة حيث قال في حوار على قناة الزيتونة المقربة من التيار الاسلامي الأربعاء ان النهضة اتخذت الطريق السليم في عملية تشكيل الحكومة. وقال مصطفى بن جعفر ان النهضة في خطاب مغازلة للاسلاميين عبرت عن قدرتها لتحمل المسؤولية في تشكيل السلطة الجديدة مدافعا عن نهجها فيما يتعلق بالمحاصصة. لكن محاولات بن جعفر للتقارب مع النهضة والحديث الإعلامي عن إمكانية منحه الثقة من الإسلاميين اضافة لعلاقته الجيدة مع مختلف التيارات السياسية لا يعني ان الازمة السياسية ستنتهي قريبا خاصة وان النهضة تتهم دائما بالسعي للحكم من وراء شخصيات مقربة منها وتربطها بها مصالح معينة كما حصل إبان حكم الترويكا. وفي خضم هذه التجاذبات تدعو احزاب عديدة لان تتحمل النهضة مسؤوليتها وتشكل حكومة يحكم الشعب بنفسه على انجازاتها وما ستحققه في الملفات الاقتصادية والاجتماعية خلال خمس سنوات.