كاتب جزائري: لهذا تنهار ثقافة العرب.. وهذه حقيقة العنوسة السياسية

[real_title] خلال توقيعه على كتابه الأخير " تجليات المتخيل الإعلامي في الصحافة الجزائرية" في صالون الجزائر الدولي للكتاب، التقت «مصر العربية» الكاتب الجزائري الدكتور «محمد بغداد» مدير الإعلام في المجلس الإسلامي الأعلى الجزائري.

 

وسبق أن صدرت للكاتب الجزائري مجموعة  مؤلفات حول  الإسلام السياسي، والإعلام الديني، والنزعة الانقلابية لدى الأحزاب الجزائرية، وقضايا غيرها  تحدث عنها الدكتور بغداد في الحوار التالي:

 

♦ الدكتور محمد بغداد من موقعك الآن كمدير للإعلام في المجلس الإسلامي الأعلى، ما الذي تضيفه للثقافة الدينية ، خاصة  وأنك كتبت عن الإسلام السياسي؟

 

 المجلس الإسلامي الأعلى يحتفى بالذكرى العشرين لتأسيسه، ومهمته ترقية الاجتهاد وإبداء الحكم الشرعي فيما يُعرض عليه، ويقوم بالمهمة نخبة من العلماء والفقهاء بالتعاون مع جميع الفاعلين في هذا المجال، لتقديم خدمة نوعية للمجتمع هو في حاجة ماسة إليها، خاصة القضايا الكبرى التي تهم عموم الناس، منها، إبداء الحكم الشرعي في الصيرفة الإسلامية، والتربية الإسلامية في المؤسسات الرسمية، وارتفاع ظاهرة الطلاق، كما تناول قضية الكراهية والعنف في وسائل الإعلام، والهجرة غير الشرعية، وغيرها من القضايا الكبرى التي تشغل بال الرأي العام..

 

وبهذا يعمل المجلس الإسلامي الأعلى على تجسيد رسالته في حماية الهوية الدينية والوطنية للمجتمع، والمساهمة في التعريف بقيم الوسطية والاعتدال في الاسلام، وتقديم الصورة الناصعة له في أذهان الأجيال الجديدة والشعوب الأخرى، ونذكر أن مساهمة علماء الجزائر كانت بارزة ومميزة في مسيرة الاجتهاد الفقهي في الحضارة الإسلامية.  

♦ يوجد مالايقل عن أربعمائة فضائية دينية عربية، ولمختلف المذاهب الإسلامية، وبعضها يعرّض بالخصوم من المذاهب الأخرى، كيف انعكس الإعلام الديني على الجزائر، وقد عانت عشرية كاملة من "الإسلام السياسي"؟

 

بالرغم من امتلاك التجربة الإعلامية الجزائرية لرصيد تاريخي، وتراكم نوعي من الممارسة، تعود إلى القرن الثامن عشر، وتحقيق الأجيال الإعلامية المتعاقبة لإنجازات مهمة، إلا أن الفترة الأخيرة برزت مؤشرات على تراجع التجربة، وقد إشتغلت على موضوع " الإعلام الديني " في بعض كتبي منها : الإعلام الديني في الجزائر الخطاب والهوية، وكتاب الأزمة الإعلامية للمؤسسة الدينية..

 

وكتابي الأخير تجليات المتخيل الإعلام في الصحافة الجزائرية، ودراسات وأبحاث، بينت فيها الثغرات التي يعيشها المشهد الإعلامي الجزائري، وعند التتبع الدقيق للمنتوج الاعلام الديني نكتشف "سوء تقدير" من طرف بعض المؤسسات الإعلامية، التى تعتقد أن الإعلام الديني مصدر مهم للثروة وتحقيق الأرباح المالية، فتفشل في إنتاج الرسالة "الإعلامية الدينية" وبالذات عندما تتجاهل المزاج الجمعي، والعلاقة الوجدانية الخاصة للمجتمع الجزائري مع الدين، فإنها تهيء أجواء التوتر والعنف والتشنج، الذي ينتج عنه الممارسات العنيفة.

♦ في السنوات الأخيرة عرفت الجزائر نشاطا للتشيع غير مسبوق تناولته وسائل الإعلام ، مشيرة إلى ضلوع إيران به.. ما موقف المجلس الإسلامي الأعلى مما وصفه الإعلام " نشر التشيع"؟

 

إن التحولات التى احدثتها ثورات تكنولوجيات الإعلام والاتصال الحديثة، فرضت الكثير من المفاهيم الجديدة، التى يكون من المفيد الانتباه إليها كونها أصابت العديد من تصوراتنا واعتقاداتنا عن هويتنا وتاريخنا بزلزال عميق، وبالذات في تصورنا عن بعضنا فيما يتعلق بجهود الفكر الإسلامي ومنتوجاته  الفكرية عبر مسيرته التاريخية.. 

 

وهو ما يضع الاختلافات الفقهية والمذهبية بين المسلمين اليوم محل إعادة نظر دون الوقوع في الاستغلال الإعلامي والتوظيف السياسي، الذي تستفيد منه دوائر الاستخبارات العالمية، التي تبقى مصلحتها في إشعال نيران الصراع والصدام في منطقة الشرق الأوسط، لتستفيد من ثروات المنطقة وتزيد من أرباحها، وهذا الصراع لا يخدم أحداً من أبناء المنطقة.

 

وأما الظروف الحالية التي يعيشها العالم الإسلامي، فتفرض على الجميع اليوم تجنب الوقوع في مستنقعات الصدام، والذهاب نحو الآفاق الجديدة التي تسعى إلى إيجاد الأرضيات القوية والمناسبة، لقيام حوار حقيقي بين المذاهب والتيارات، في ظل احترام سيادة الدول وخصوصيات المجتمعات ومعطيات الواقع، مع ضرورة الانتباه لتلك الحملات الاعلامية التضليلية، التي تسعى إلى إثارة الفتن وإشعال الصدام، ولعل التكلفة الباهظة التي تكبدها العالم الإسلامي في السنوات الاخيرة لدليل على ضرورة التوقف عن المزيد من الصدام، والذهاب نحو العقلانية والحوار والتفاهم بين مكونات العالم الإسلامي والخروج من أزمنة الفرق والمذاهب الماضية.

♦ بيان أول نوفمبر مرجعية الثورة الجزائرية  ولازالت حتى اليوم، قضى على التعددية السياسية عندما منع الانتماء السياسي لمن يلتحق بالثورة، وفي دستور 1989 أقرت التعددية، كيف ترون التوفيق بين مرجعية نوفمبر وراهن التعددية؟

 

فلسفة بيان أول نوفمبر، تكمن في المضمون التحرري من الاستعمار، والسعى إلى تجسيد الاستقلال، والدفاع عن كل الحقوق المشروعة للإنسان، واحترام الشعوب والثقافات، ورفض الاعتداء والظلم من كل طرف. هذه الاهداف تطلبت  مجموعة  قرارات : منع التعددية الحزبية أثناء الثورة التحريرية، ورصّ الصفوف وتوحيد الشعب وراء قيادة واحدة وتعبئته حول برنامج سياسي واحد.

 

وتعود أسباب هذه القرارات إلى فشل النخب السياسية الجزائرية قبل أول نوفمبر في تحقيق الاستقلال، والتجربة السيئة للأحزاب السياسية آنذاك، لم تفرق بين النضال من أجل الاستقلال وحماية الدولة الوليدة وبين التعددية الحزبية، التي اعتبرتها قيادة ثورة نوفمبر خطرا على وحدة الثورة. 

 

ولكن الجزائر شهدت تحولات كبرى في الثمانينيات من القرن الماضي، فرضت التعددية السياسية ، لأنها أصبحت حاجة اجتماعية ، وتلاشت المخاوف القديمة ، خاصة وأن النخب السياسية تغيرت.

♦ منذ بدء التعددية السياسية بالجزائر 1989 شهدت الأحزاب انشقاقات، فرّخت أحزابا جديدة.. في كتابكم "النزعة الانقلابية في الأحزاب الجزائرية "، كيف تفسرون تلك الظاهرة في وقت أقرت الأحزاب  في برامجها التداول السلمي على السلطة؟

 

هذه ظاهرة تستمد جذورها من الممارسة السياسية للنخب الجزائرية في القرن الماضي، دون أن تظهر المحاولات الجادة لمعالجتها. ومن أهم الأسباب لتشظي الأحزاب تلك الحواجز المتعالية، التي تكبح طموح الأجيال الجديدة في الحصول على حقها لممارسة السلطة، مما يجعل تلك الأحزاب  ضحية ما أسميه "العنوسة السياسية"، وهو ما يدفع هذه الأجيال إلى انتهاز الفرص  والانقضاض على السلطة، مما يجعل صراعات داخلية تعيشها الأحزاب، تكون دافعا إلى النزعة الانقلابية فيها وبالتالي الانشقاق، وأكثر ماتظهر في المناسبات الانتخابية، التي تحولت الى مواعيد لتحسين الظروف الحياتية لفئات اجتماعية.

 

 

♦ تُنتقد النخبة الجزائرية أن أغلبها لايكترثون بالشأن العام، والجامعات مركز الإشعاع المعرفي اقتصرت على التدريس. لماذا غابت الجامعة الجزائرية عن الفعل الثقافي؟

 

إن ظاهرة فشل المؤسسات الثقافية، وانهزام النخب الفكرية، أمام التحولات الكبرى، التى يعرفها المجتمع ليست خاصية جزائرية، وإنما هي ظاهرة عامة في الوطن العربي، وأسبابها متعددة ، إلا أنها لا تعفي النخب الفكرية والمؤسسات الثقافية من مسؤوليتها الكبرى في التنوير الفكري، وهي التى خضعت إلى الضغوطات واستسلمت دون أن تقوم بواجبها الأخلاقي والأدبي..

 

هذه النخب  فقدت الثقة في إمكانية التغيير، وأصبحت ضحية اجترار الماضي، فحرمت نفسها متعة تجاوز العقبات، ومن ورائها يُحرم المجتمع من فرص تحقيق تنمية حقيقة وتحول عميق نحو المستقبل.

وهذا يقودنا إلى الواقع العربي، فلا نفشي سرا لو قلنا غياب استراتيجية ثقافية، مع تراجع دور المؤسسات الثقافية المستأمنة على المنظومة القيمية بفعل ثقافي حقيقي، فتحول المشهد العربي إلى تدمير ذاتي كما نشاهد مايجري في الساحة العربية، حيث أصبح الفعل الثقافي والفكري على الهامش ولا تظهر تأثيراته المأمولة.

جميع الحقوق محفوظة لمصدر الخبر مصر العربية وتحت مسؤليتة ونرجوا متابعتنا بأستمرار لمعرفة أخر الأخبار علي مدار الساعة مع تحيات موقع موجز نيوز الأخباري

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى