[real_title] "الهدف واضح ومحدد ودقيق، إزالة إسرائيل من الوجود".. ذاك شعارٌ رُفع في زمن غير بعيد، استقطب به حزب الله ملايين العرب، كانت قلوبهم تفهو لكل قتيل يسقط من المقاومة، وتهلّل فرحةً بضرباته ضد الاحتلال.
لكنّ السنوات القليلة الماضية كانت شاهدةً على تحوّل في الموقف، إذ مال الحزب إلى القتال ليس ضد الاحتلال، بل في أرض الإخوة، هناك في سوريا، دعمًا لنظام الرئيس بشار الأسد.
تحولات كثيرة شهدها حزب الله في السنوات الأخيرة، حوَّلته من مطاردة عدو ليس بعيد إلى تحريك أسلحته ومدافعه في الأراضي السورية، دعمًا للأسد، وهو مثَّل أحد الركائز حافظت على بقاء النظام إلى الآن، وربما إلى إشعار آخر.
ليست سوريا وحدها، بل تصاعد دوره أيضًا على مدار السنوات الأخيرة في العراق واليمن، وهي أكثر بؤر العرب التهابًا في الآونة الأخيرة.
لكنّ لغة التوتر والتهديد ضد الاحتلال أعادها الحزب، على لسان أمينه العام حسن نصر الله، عندما تحدّث صراحةً قبل يومين عن أنّ "الحزب حصل على صواريخ دقيقة ومتطورة على الرغم من محاولات الاحتلال منعه من ذلك".
وقال نصر الله إنّ "ما فعلته تل أبيب من محاولات لمنع الحزب من الحصول على الصواريخ لم يجد نفعًا، فقد بات الحزب يمتلك الصواريخ الموجهة بدقة".
وأضاف في كلمة تلفزيونية: "في موضوع الصواريخ الدقيقة ومحاولات (الاحتلال) في سوريا لقطع الطريق على هذه القدرة وعلى هذه الإمكانية.. أقول له مهما فعلت في قطع الطريق لقد انتهى الأمر وتم الأمر وأنجز الأمر.. باتت المقاومة تملك من الصواريخ الدقيقة وغير الدقيقة، ومن الإمكانيات التسليحية ما يسمح إذا فرضت إسرائيل على لبنان حربًا، ستواجه إسرائيل مصيرًا وواقعًا لم تتوقعه في يوم من الأيام".
ميدانيًّا، جاءت تصريحات نصر الله بعد يومين من إعلان الاحتلال مهاجمته لمنشأة لجيش النظام السوري في مدينة اللاذقية شمال غربي سوريا، خلال عملية تسليم أنظمة تدخل في صناعة أسلحة دقيقة، إلى حزب الله.
وخلال تصديها لقصف الاحتلال، أسقطت دفاعات نظام الأسد طائرة روسية أثناء تحليقها قبالة سواحل اللاذقية، ما أدى إلى مقتل 15 عسكريًّا روسيًّا.
يلفت من التطور الميداني على الأرض ثم تصريحات نصر الله أنّ لغة التهديد والوعيد عادت بقوة بين الطرفين، بعدما كان حزب الله قد أشغل نفسه في الحرب السورية، في محاولة يبدو أنّها باءت بالنجاح لتثبيت حكم بشار الأسد والقضاء على الثورة.
وبحسب تقارير دولية، فإنّ الحزب لم يعد قوةً تخوض حرب مقاومة، بل أصبح أداةً لتوسيع نفوذ إيران في المنطقة، ولهذا فإنَّ الحزب شارك في كل معركة لإيران بالمنطقة، وأسهم بتجنيد وتدريب عدد من الجماعات المسلحة، التي تستخدم لتعزيز أجندة الجمهورية الإسلامية.
كما أنّ الحزب - الذي ظهر أثناء الحرب اللبنانية لمواجهة إسرائيل - تحول إلى نموذج عن الميليشيات التي ترغب إيران برعايتها في المنطقة، وأصبح ذراعًا للحرس الثوري، مقدمًا الرابطة التي تربطه بالمليشيات التابعة لطهران.
وفي سوريا، فقد ساهمت شبكة المليشيات التي بنتها إيران، بمساعدة حزب الله، في ترجيح كفة النزاعات في المنطقة لصالح الأسد في سوريا، والمليشيات الشيعية ضد تنظيم "الدولة" في العراق، ولصالح جماعة أنصار الله "الحوثي" ضد التحالف الذي تقوده السعودية لدعم الحكومة الشرعية في اليمن، وتحول لبنان ساحة إعلامية لإيران، ويزيد من ترسانته العسكرية.
وبشكل عام، فإنّ تصريحات نصر الله ربما إذا تعامل معها الاحتلال على محمل الجد والتصديق، فإنّ ذلك ينذر بمواجهة عسكرية ربما تكون قريبة من الطرفين، إلا أنّها لن تكون يسيرةً على الاحتلال.
أسباب عديدة تقود إلى اعتبار أي مواجهة مقبلة ستكون شديدة الصعوبة على تل أبيب، وعلى رأس هذه الأسباب مشاركة الحرب بشكل رئيسي في الحرب السورية.
سعى الحزب من خلال دعمه للأسد إلى تحقيق عدة أهداف، منها – كما يقول محللون - الحفاظ على محور المقاومة عن طريق حشد القدرات العسكرية لنظام الأسد، والإبقاء على الدعم المادي الإيراني والسوري من خلال تأمين خطوط الاتصال التي تمتد من دمشق إلى لبنان، ومنع ظهور نظام يهيمن عليه السُنّة في سوريا بسقوط الأسد.
وقد أدَّى قتال الحزب في سوريا إلى مقتل أعداد كبيرة من عناصره، بما في ذلك قادة مخضرمون، ما دفع إلى إنشاء قوة كبيرة ومدربة تنتمي للحزب من المقاتلين الإيرانيين والسوريين والعراقيين وهي قابلة للتشغيل المتبادل بطرق جديدة.
وميدانيًّا أيضًا، كان الحزب قد أقدم على الانتشار عبر الحدود السورية والعراقية للقيام بعمليات مستمرة في التضاريس المتنوعة، ما قدَّم لإيران وحلفائها أداة هامة يمكن من خلالها تعزيز مصالحها، وهذا هو السبب في أنَّ دور حزب الله في سوريا تطور بشكل كبير وهام ويشكل بلا شك إنذارًا بالخطر لمناهضي حزب الله وإيران في المنطقة.
تعليقًا على ذلك، يقول الباحث في الشؤون الاستراتيجية وإدارة الازمات والكوارث عمر الشرعبي: "نريد أن نعطي لكل قوة حجمها الحقيقي وبالتالي حزب الله أصبح قوة لا يستهان بها".
ويضيف في حوارٍ مع لـ"مصر العربية"، ينشر لاحقًا، أنّ ارتباط الحزب الإقليمي بسوريا ولبنان وإيران يعطيه زحم عسكري وسياسي منقطع النظير، متابعًا: "لا ننسى أنّ روسيا الاتحادية تقف بقوة في موضوع سوريا إجمالًا، ومن سعى لتقويض التمدد الروسي عبر قواعدها العسكرية في سوريا أخطأ خطئًا كبيرًا، وذلك في عدم حساب الأبعاد الاقليمية والدولية".
ويوضح الباحث الاستراتيجي: "هناك مصالح تجبر بعض الدول العظمى على التدخل المباشر، وهذا ماحدث فعلًا في الأزمة السورية حيث تدخلت بشكل مباشر وبقوة عسكرية متكاملة وأصبحت روسيا لها قواعد عسكرية أكثر ولمدد زمنية طويلة لعقود عبر اتفاقيات وقعت مع النظام السوري".
ويرى الشرعبي أنّ امتلاك حزب الله لسلاح كصورايخ متطورة كما أعلن حسن نصر الله يعتبر تهديدًا مباشرًا للاحتلال بشكل عام.
لكنّه يوضح: "كل طرف يعرف حجمه الحقيقي في القوة العسكرية فلا أعتقد أنّ حزب الله سوف يغامر بخوض حرب مباشرة ضد إسرائيل إلا إذا تلقى الحزب ضربات موجعة من إسرائيل ومستمرة، وبالتالي سوف يكون في موقع البقاء أو اللا بقاء".