[real_title] قبل 51 عامًا، صدر قرارٌ عن مجلس الأمن حمل رقم 242، مفاده حل الدولتين، مفاده العمل على حل الصراع العربي الصهيوني. قام هذا الحل على أساس دولتين في فلسطين التاريخية تعيشان جنبًا إلى جنب، هما دولة فلسطين إلى جانب دولة (إسرائيل)، وهو ما تمّ إقراره عقب حرب 1967 وسيطرة (إسرائيل) على باقي أراضي فلسطين التاريخية. وعلى مدار العقود الخمسة، لم يرَ هذا القرار النور، وهو ما فتح الباب أمام حلول أخرى مقترحة. أحدث هذه الحلول أوردته مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، إذ قالت إنّ «حل الدولتين للقضية الفلسطينية بات في مهب الريح، وبما أنّ الطرفين يرفضان الانضواء تحت مظلة دولة واحدة، فلم يبقَ سوى حل واحد واقعي قابل للتطبيق وهو الكونفدرالية». تذكر المجلة - في مقالٍ لها: "ما بين العنف الدموي على حدود قطاع غزة، والانحياز الأمريكي الأعمى لـ(إسرائيل)، فإنّ الحديث عن أي اتفاق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين مضيعة للوقت، لكن الفلسطينيين مصممون على التحرر بدولة منفصلة، وهو ما يعتبره الإسرائيليون استمرارًا للصراع بلا نهاية". وبات معظم المراقبين - بحسب التقرير - يعتقدون أنّ حل الدولتين قد دُفن رغم تمسك بعضهم بالأمل، ولا ترى تل أبيب إمكانية لتطبيق هذا الحل، ولطالما تصدى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لهذا الحل، رغم أنّه قبل نحو عشر سنوات عبّر عن موافقة مشروطة على الفكرة، لكنّ إصرار تل أبيب على الاستحواذ الكامل على القدس أحبط أي مفاوضات جادة. كما يبدو أنّ الرأي العام الإسرائيلي منقسم حول الفكرة أيضًا، إذ تقول كاتبة التقرير داليا تشندلن إنّها أجرت استطلاع رأي بين الإسرائيليين في أواخر عام 2017 حول الفكرة، لتكتشف أنّ 52% منهم يدعمونها من حيث المبدأ، بعد أن كانت النسبة تبلغ 70% في 2010، وعبّر 83% من عرب (إسرائيل) عن موافقتهم عليها، بينما بلغت النسبة 46% بين اليهود. لكن غالبية المشاركين في الاستطلاع لا يدعمون حل الدولتين بصيغته التي وُضعت مع بداية الألفية الجديدة. في حالة الكونفدرالية - توضح "تشندلن" - سيبدأ الأمر ببناء دولتين منفصلتين مستقلتين، وقد روجت العديد من المنظمات فكرة "الأرض للجميع" المتمثلة في وجود حكومتين ورئيسين وحدود عند الخط الأخضر أو بالقرب منه، وستكون كل دولة ذات سيادة وحرية في تحديد طابعها الوطني، لكن ستتفق الدولتان على تقاسم جوانب معينة من سيادتهما، وسيتم تعيين الحدود بما يضمن حرية التنقل بين الجانبين. وتضيف الكاتبة: "بيد أنّ الواقع عكس المأمول تمامًا، إذ يعاني الفلسطينيون من قيود شديدة في حياتهم اليومية، ولا يسمح لهم بالتنقل إلا عبر تصاريح أمنية، ويحتاج سكان الضفة الغربية إلى تصريح للسفر إلى أي مكان داخل (إسرائيل)، بما في ذلك المستوطنات والقدس، أو بين غزة والضفة الغربية. ولا يمكن الحصول على تصريح للسفر عبر المطارات، كما أنّ نقاط التفتيش والجدار الأمنيتجعل المسافات القصيرة رحلات طويلة ومضنية لجميع الفلسطينيين، والغزيون محاصرون كليًّا تقريبًا داخل غزة". وتذكر: "أما الإسرائيليون، فلا يعانون من أي قيود تذكر على الحركة، فمن الناحية النظرية، يحتاجون إلى تصريح لزيارة المنطقة أ الصغيرة التي يديرها الفلسطينيون، إذ لا يرغب معظم اليهود في ذلك، ولا يمر الإسرائيليون على أي حواجز، ويمكنهم التسلل عبر نقاط التفتيش المخصصة للمستوطنين عند العودة". وترى الكاتبة أنّ الكونفدرالية ستضمن للإسرائيليين شيئًا قد لا يكون لديهم في خطة الدولتين التقليدية، وهو الوصول إلى العديد من الأماكن المقدسة داخل الضفة الغربية، مثل قبر البطاركة في الخليل، ومقبرة راشيل بالقرب من بيت لحم، وقبر يوسف في نابلس، إذ ستكون هذه المواقع داخل فلسطين، ويمكن لهذه الأخيرة أن تغلق حدودها، ولهذا السبب يرفض الإسرائيليون، وبخاصةً إذا كانوا متدينين، حل الدولتين، أمّا نموذج الكونفدرالية فيضمن حرية الحركة. وتوضح: "حينئذٍ، لن يتم تقسيم القدس، بل ستبقى المدينة موحّدة تحت السيادة المشتركة عاصمة للدولتين، وستخضع الأماكن المقدسة إلى نظام خاص، ربما بدعم دولي، كما هو الحال في خطط الدولتين السابقة، لكن التركيبة السكانية للقدس ستبقى كما هي، مع وجود عاصمة فلسطينية في الشرق، يمكن أن تمتد الحدود بين الدولتين على نطاق واسع حول المدينة، وليس عبرها، ويمكن لبلدية مشتركة بين الإسرائيليين والفلسطينيين إدارة الأحياء الشرقية والغربية". وتلفت إلى أنّه رغم أنّ الكونفدرالية ستسمح للمواطنين من إحدى الدولتين بأن يعيشوا مقيمين دائمين لدى الدولة الأخرى، إلا أنّه لن يسمح لهم بالتصويت في الانتخابات الخاصة بتلك الدولة. ويمكن للمستوطنين الإسرائيليين الذين لا يرغبون في مغادرة الأراضي الفلسطينية لأسباب دينية أن يبقوا طالما أنهم يحترمون القانون تحت السيادة الفلسطينية، ويمكنهم المشاركة في الانتخابات المحلية لكنهم سيصوتون فقط للتمثيل الوطني في (إسرائيل)، وسيؤدي هذا إلى عزل المستوطنين الذين يصرون على السيادة اليهودية، ولكنه يمد يده إلى مستوطنين أكثر اعتدالًا يرفضون فكرة إخلاء منازلهم. البحث عن حل بديل لحل الدولتين لإنهاء الصراع العربي الصهيوني لا يقتصر على مقالات الرأي أو الدراسات البحثية، لكنّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان قد تحدّث عن ذلك صراحةً خلال لقاءٍ جمعه برئيس وزراء الاحتلال نتنياهو قبل نحو عام. ترامب كان قد قال إنّ "حل الدولتين ليس هو الخيار الوحيد لحل القضية الفلسطينية"، معتبرًا أنّ "أي حل يرضي الطرفين مقبول على بلاده". كما أنّ الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، سبق أن طرح فكرة حل إقامة دولتين، إسرائيلية وفلسطينية، على شكل كونفدرالية مع حدود مرسومة، وبرلمانين ودستورين ولكن بجيش واحد هو الجيش الإسرائيلي. لكنّ العديد من التقارير رجّحت ألا يلقى حل مثل هذا قبولًا من قِبل القيادة الفلسطينية؛ لأنّها تطالب منذ سنوات بسيادة كاملة على دولتها المستقلة. في تعليقه على ذلك، يقول الدبلوماسي السابق بركات الفرا سفير فلسطين السابق بالقاهرة: "الكونفدرالية تقوم بين دولتين مستقلتين، وبالتالي يتوجب في بادئ الأمر أن تنال دولة فلسطين استقلالها". ويضيف في حوارٍ لـ"مصر العربية"، يُنشر لاحقًا: "يجب أن تصبح فلسطين دولة مستقلة معترف بها في الأمم المتحدة، وتعترف بها دول العالم ثم بعد ذلك يأتي الحديث عن كونفدرالية أو غير كونفدرالية". لكنّه يتابع: "هذا كله كلام عبثي.. ولا يثمن ولا يغني من جوع.. (إسرائيل) لن توافق لا على دولة كونفدرالية ولا على دولة واحدة، ولا على دولتين". ويستطرد: «طالما أنّنا نحن على هذه الحالة كفلسطينيين أو كأمة عربية نعيش حالة الضعف والتمزق ونمر بالعديد من المشكلات جعلت الأمة منكفئة على ذاتها، لماذا لا تستغل (إسرائيل) ذلك». ويرى أنّ الوضع العربي بشكل عام، والفلسطيني بشكل خاص، غير مؤهل إلى أن يتم وضع حلول للقضية الفلسطينية.