فلسطين وصفقة القرن.. بين سيناريوهات التصفية ودلالة التوقيت

فلسطين وصفقة القرن.. بين سيناريوهات التصفية ودلالة التوقيت
فلسطين وصفقة القرن.. بين سيناريوهات التصفية ودلالة التوقيت
[real_title] بقدر ما يحمل لفظ "الصفقة" مصلحة مشتركة يجنيها طرفان اثنان وربما أطراف أخرى من ورائهما، لكن عند ربط هذا المصطلح بالقضية الفلسطينية فإنّ طرفًا ما ربما يقضى عليه بتلك الصفقة.

 

منذ أشهر يتردد مصطلح "صفقة القرن" ولا أحاديث رسمية بشأن بنودها التي يُقال إنّها تسعى إلى حل القضية الفلسطينية من خلال رؤية أمريكية، ولكن لأنّ المجهول يحوم حول تلك الصفقة على الأقل حتى الآن فإنّ الشياطين قد كمنت في تفاصيلها الدقيقة، فقيل إنّها صفعة للقضية وتهدر حقوق الفلسطينيين من طرفٍ يعرف عنه موالاته للاحتلال.

 

وضمن عشرات التقارير وربما "مئات" التي تتحدث عن خطورة الخطة الأمريكية بشأن القضية الفلسطينية، يرى إيلان جولدنبرج الباحث ومدير برنامج أمن الشرق الأوسط في معهد الأمن الأمريكي الجديد، في تقريرٍ في مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أنّ "وضع خطة سلام أمريكية جديدة في هذه اللحظة سيكون خطئًا فادحًا من شأنه أن يزيد الأمور سوءًا".

 

الكاتب يقول إنّه "يجب على البيت الأبيض بدلًا من ذلك، تأجيل أي خطة سلام قيد التنفيذ، والتركيز على استقرار الوضع في غزة".

 

ويضيف: "من المستحيل أن تكون وسيطًا في صراع، أو أن تطلق خطة سلام موثوقة عندما يرفض أحد الطرفين حتى التحدث معك، ففي الأشهر الستة الماضية منذ أن أعلن ترامب أنه سينقل السفارة الأمريكية في إسرائيل إلى القدس، لم يلتق القادة الفلسطينيون مع كبار المسؤولين الأمريكيين".

 

ويوضح أنّ "مقترح الإدارة الأمريكية أيضًا له آثار سلبية أخرى طويلة الأمد، يمكن أن تحدث بطريقتين مختلفتين، في إطار السيناريو الأقل ضررًا ستقدم الولايات المتحدة اقتراحًا متوازنًا يتوافق مع الفهم الدولي للحالة والسياسة الأمريكية للجيل الماضي، وفي هذه الحال، سيشمل الإقليم "دولة فلسطينية مستقبلية في معظم الضفة الغربية وقطاع غزة، مع مقايضة الأراضي الإقليمية للحفاظ على غالبية المستوطنين اليهود في إسرائيل".

 

وستشمل الخطة أيضًا عاصمة للفلسطينيين في القدس الشرقية، وفي المقابل - وفقًا للكاتب - ستحصل تل أبيب على ترتيبات أمنية تضمن عدم قدرة حماس أو جماعة متطرفة أخرى على السيطرة على الضفة الغربية، كما ستكون هناك آلية دولية لتعويض اللاجئين الفلسطينيين، ولكن لا يشمل ذلك حق العودة، مع السماح فقط لعدد رمزي من الفلسطينيين بالعودة إلى إسرائيل، والأغلبية التي تمارس حقها في العودة إلى دولة فلسطين الجديدة، أو إعادة توطينهم في بلد ثالث.

 

ويذكر الكاتب أنّ "المشكلة هي أنّه لا فائدة من وضع هذه الخطة مرة أخرى، فقد وضع الرئيس الأمريكي بيل كلينتون هذا خلال تجربته في عام 2001، كما فعل وزير الخارجية جون كيري في نهاية إدارة الرئيس باراك أوباما".

 

"في الوقت الحاضر، فإنّ كلا الجانبين - القيادة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية اليمينية - سيرفضان ذلك.. مثل هذا الاقتراح لن يؤدي إلا إلى مزيد من التشكيك في الأفكار التي يمكن أن يتحقق عليها حل الدولتين في المستقبل".. يضيف الكاتب.

 

السيناريو المرجح على نحو متزايد وفقًا للكاتب، هو أنّ الإدارة تقترح بدلًا من ذلك خطة أكثر ملاءمة لإسرائيل، ويمكن لهذه الخطة، أن تطالب قوات الدفاع الإسرائيلية بالبقاء في الضفة الغربية لجيل أو أكثر، وأن تواصل احتفاظها بـ60% من الضفة الغربية التي تسيطر عليها في الوقت الراهن، في الوقت الذي تشكل فيه الأساس لدولة للفلسطينيين في غزة، وسيجد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن مثل هذه الخطة جذابة للغاية، ومن المرجح أن يقبلها ببعض التحفظات، وهو ما سيعطيه المرونة للتفاوض على بعض الجوانب.

 

لكنّ الكاتب يوضح مخاطر ذلك، إذ سيظهر هذا في خانة السياسيين الإسرائيليين من يسار الوسط الذين يرون أن خطة ترامب غير واقعية، ومع ذلك لن يكونوا في موقف يسمح لهم بمعارضة اقتراح أمريكي؛ لأنّه سيكون جيدًا جدًا بالنسبة لإسرائيل، وسيتم وضع خط أساس سياسي جديد في إسرائيل لما قد يبدو عليه الحل المقبول، وهو حل لن يوافق عليه الفلسطينيون أبدًا، فالنتيجة النهائية ستدفع الجانبين إلى أبعد من ذلك.

 

والاحتمال الأكثر خطورة - بحسب الكاتب - هو أنّه إذا رفض الفلسطينيون أيًّا من هذه الخطط –خاصةً تلك التي قبلتها إسرائيل، يمكن أن يصبح بعد ذلك الأساس للحكومة الإسرائيلية لكي تعلن مرة أخرى أنها لا شريك لها في الجانب الفلسطيني، لذا تبدأ عملية ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، وهي الخطوة التي يدافع عنها الآن عدد من السياسيين في إسرائيل، مما يجعل إمكانية حل الدولتين مستحيلًا، وقد لا تحصل حركة المستوطنين الإسرائيليين على فرصة أفضل، في ظل الحكومة الإسرائيلية الحالية اليمينية، والبيت الأبيض الذي انحدر بشدة إلى الجانب الإسرائيلي.

 

وفي إطار آخر من هذا الملف، ففي مارس الماضي كان يفترض أن ترى هذه الصفقة "النور" كمل سرب عن الإدارة الأمريكية، إلا أنّ قرارًا صدر بتأجيل طرحها.

 

ورغم عمل أطراف هذه الصفقة - عربيًّا وغربيًّا - على أن تظل بنودها سرية حتى يتم الإعلان الرسمي عنها، إلا أنّ العديد من التسريبات قد كشفت بنودها الخطيرة.

 

ففي فبراير الماضي، نقل موقع "ميدل إيست آي" البريطاني عن مسؤول غربي اشترط عدم الكشف عن هويته، أنّ الصفقة تتضمّن "إقامة دولة فلسطينية تشتمل أراضيها على قطاع غزة والمناطق أ و ب وبعض أجزاء من منطقة ج في الضفة الغربية"، و"قيام الدول المانحة بتوفير عشرة مليارات دولار لإقامة الدولة التي ستشتمل بنيتها التحتية على مطار وميناء في غزة ومساكن ومشروعات زراعية ومناطق صناعية ومدن جديدة"، و"تأجيل وضع مدينة القدس وموضوع عودة اللاجئين إلى مفاوضات لاحقة"، و"إجراء محادثات سلام إقليمية بين الاحتلال والأقطار العربية بقيادة السعودية".

 

قبل ذلك، كانت وكالة "الأناضول" قد نشرت ما قالت إنّها تفاصيل متعلقة بمضامين صفقة القرن، وردت ضمن التقرير السياسي الذي قدمه أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات لاجتماع المجلس المركزي الفلسطيني في اجتماعه الذي عُقد يومي 14 و15 يناير الماضي بمقر الرئاسة الفلسطينية في رام الله.

 

وأورد عريقات في تقريره 13 بندًا، تحمل الخطوط العريضة للخطة الأمريكية، وأولها "الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارتها إليها"، و"ضم الكتل الاستيطانية الكبرى بالضفة لإسرائيل"، و"إعلان قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح"، و"إبقاء السيطرة الأمنية لإسرائيل"، إلى جانب "الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية"، مع انسحابات تدريجية لإسرائيل من مناطق فلسطينية محتلة".

 

ويتمثل البند الثاني - حسب عريقات - في "اختراع ترامب عاصمة لدولة فلسطين في ضواحي القدس خارج إطار ستة كيلومترات عن حدود عام 1967"، على أن "تقوم الإدارة الأمريكية بعد ذلك بإعلان مفهوم أمني مُشترك لدولة إسرائيل ودولة فلسطين كشركاء في السلام".

 

ويشمل هذا المفهوم أربع نقاط أنّ "دولة فلسطين منزوعة السلاح مع قوة شُرطية قوية"، و"إيجاد تعاون أمني ثنائي وإقليمي ودولي بما يشمل مشاركة عمّان والقاهرة وواشنطن وسيكون الباب مفتوحًا أمام دول أخرى"، و"وجود قوات إسرائيلية على طول نهر الأردن والجبال الوسطى لحماية الدولتين"، وأن "تُبقى إسرائيل على صلاحيات الأمن القصوى، بيدها لحالات الطوارئ".

 

ويذكر عريقات أنّ "الخطة تنص على اعتراف دول العالم بدولة إسرائيل كوطن قومي للشعب اليهودي، وبدولة فلسطين كوطن قومي للشعب الفلسطيني"، على أن "تضمن إسرائيل حرية العبادة في الأماكن المُقدسة للجميع، مع الإبقاء على الوضع القائم بها حاليًّا".

 

ويعقب عريقات في التقرير على الخطة بقوله : "هذه هي معالم الصفقة التاريخية التي سوف تسعى إدارة الرئيس ترمب لفرضها على الجانب الفلسطيني"، ويدعو إلى "رفضها بشكل كامل حيث تؤسس لإقامة حكم ذاتي أبدي".

 

تواجه هذه الصفقة الخطيرة رفضًا قاطعًا في الداخل الفلسطيني، لا سيّما حركة المقاومة الفلسطينية "حماس"، التي سبق أن قالت على لسان الناطق باسمها فوزي برهوم: "إذا كان الرئيس محمود عباس جادًا في مواجهة صفقة القرن، فليرفع الإجراءات عن قطاع غزة، ويدعم صمود أهلها، ويوفر لهم عوامل القوة، ويعزز المقاومة في الضفة والقدس، ويكمل مشوار تحقيق الوحدة".

 

وأضاف: "حماس أول من حذر من هذه الصفقة وخطورتها، ولن يستطيع كائن من كان أن يمررها، مهما بلغت التضحيات، ولا حتى بالمال السياسي، ولا بالمساعدات المسمومة".

 

كما رفضها الرئيس عباس أيضًا، وكشف عن تلقيه عروضًا بإقامة دولة فلسطينية عاصمتها ناحية أبو ديس القريبة من القدس المحتلة، مؤكدًا أنّ المدينة المقدسة ستظل العاصمة الأبدية لبلاده، وقال: "صفقة العصر التي يريدها ترامب هي صفعة العصر".

 

ولم يوضح عباس الجهات أو الأشخاص الذين عرضوا عليه القبول بـ"أبو ديس" عاصمةً للدولة الفلسطينية بدلًا من القدس، لكنه وجَّه كلمة لترامب، قال فيها: "لا نقبل بمشروعك".

 

اللافت هنا أنّ صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية كانت قد نقلت عن مصادر وصفتها بـ"المطلعة"، أنّ ولي العهد السعودي​ محمد بن سلمان هو من اقترح على الرئيس عباس​أن تكون بلدة أبو ديس عاصمة لفلسطين.

 

وذكرت الصحيفة: "ابن سلمان أعطى الرئيس الفلسطيني مهلة شهرين للقبول بالصفقة وإلا سيكون مجبرًا على ​الاستقالة"، مؤكدةً أنّ هذه التفاصيل التي وصفتها بـ"المثيرة" جاءت عقب المفاوضات التي عقدت بين عباس وابن سلمان وراء الأبواب المغلقة في الرياض في نوفمبر الماضي.

 

في معرض تعليقه على ذلك، يقول خالد سعيد المتخصص في الصراع العربي الإسرائيلي إنّ صفقة القرن لا تزال "مُبهمة".

 

ويضيف في حديثٍ لـ"مصر العربية": "ترامب ليست لديه دراية أو إطلاع كامل بمجريات الصراع العربي الصهيوني، ومن يدير الدفة هو صهره جاريد كوشنر".

 

ويوضح أنّ حالة تناقض وغموض تسود مواقف الدول الفاعلة بشأنها، ضاربًا مثلًا بمصر التي تتحدث تقارير كثيرة عن موافقتها على بنودها، بينما تخرج مصادر مصرية نافيةً إطلاع الرئيس عبد الفتاح السيسي على الصفقة من الأساس.

 

ويعتبر "سعيد" أنّ العالم العربي يمر بفترة حرجة للغاية، لا يُعرف إلى أي مستقبل ستنتهي إليه الأمور، مشدّدًا على مصارحة العرب والفلسطينيين بشكل واضح ببنود هذه الصفقة.

 

ويتفق "سعيد" مع كثيرٍ من التحليلات التي تشير إلى أنّ القضية الفلسطينية في تراجع ملحوظ، مقابل صعود غير عادي لما أسماه "قطار التطبيع"، متحدثًا عن تسابق سعودي إماراتي من أجل هذا التطبيع الذي بلغ حد استجداء الكيان الصهيوني.

 

ويؤكد "الباحث" أنّ السلام في المرحلة المقبلة لن يكون سياسيًّا أو عسكريًّا لكنّه "سلام اقتصادي".

 

ويذكر: "أكثر من مسؤول صهيوني ركّز على هذا الأمر، وتحدّثوا عن إقامة علاقات مع الجانب الفلسطيني على أساس الجانب الاقتصادي، وبالتالي التطبيع هو اقتصادي أكثر منه سياسي، وهذا هو الأخطر في القضية".

 

ويشدّد على أنّ "القضية" لم تشهد في أي فترة من الفترات حفظ حقوق الفلسطينيين، ويؤكّد أنّ الحل الوحيد يكمن في "المقاومة المسلحة".

 

ويختم: "ما يجري داخل الأروقة حول مباحثات ومداولات من أجل السلام هي كلها تؤدي إلى توطيد أركان الكيان الصهيوني على الأراضي الفلسطينية".

جميع الحقوق محفوظة لمصدر الخبر مصر العربية وتحت مسؤليتة ونرجوا متابعتنا بأستمرار لمعرفة أخر الأخبار علي مدار الساعة مع تحيات موقع موجز نيوز الأخباري

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى