دفتر الشهداء ونضال الأبطال.. أطفال فلسطين يسحقون الاحتلال

دفتر الشهداء ونضال الأبطال.. أطفال فلسطين يسحقون الاحتلال
دفتر الشهداء ونضال الأبطال.. أطفال فلسطين يسحقون الاحتلال

[real_title] "في فلسطين نبض كامن يستعيد في كل لحظة خفقانه المسموع.. يقف المحتل يتساءل: ها أنتم ثانية، ألم أقتلكم؟.. فيرد المناضلون: نعم قتلتنا ونسينا أن نموت".

 

أثبت التاريخ زيف تلك المقولة التي أطلقها الاحتلال الإسرائيلي إبان النكبة عام 1948، وهي "يموت الكبار وينسى الصغار"، فالجرائم التي ارتكبها الاحتلال على مدار السنوات الماضية لم يكن الهدف الأوحد منها تصفية الفلسطينيين الكبار، لكنّهم حاولوا كذلك ردع الأطفال وفي مرحلة لاحقة ينسون قضيتهم.

 

بيد أنّ المقاومة الفلسطينية لم تعتمد خلال السنوات الماضية على الكبار، لكنّ الأطفال سطّروا أسمى معالم النضال ضد محتل، يغتصب الأرض والعرض.

 

"عهد"

 

عهد التميمي، تلك الطفلة الشقراء التي مثلت في سن صغيرة (16 عامًا) أيقونةً للمقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال.

 

وُلدت "عهد" الطالبة في الثانوية العامة، الفرع الأدبي في مدرسة البيرة الثانوية للبنات، بقرية النبي صالح شمالي رام الله في 30 مارس 2001، وفي الرابعة من عمرها ظهرت كأصغر الفتيات اللواتي يتوسطن جموع المحتجين على اعتداءات الاحتلال في القرية، لتجدها بجوار أمها تشارك في غالبية المسيرات المناهضة الاحتلال، حتى لفتت أنظار العالم لها وهي في عمر العاشرة، حين أخذت تدفع جنود الاحتلال عن أمها "ناريمان التميمي" خلال مسيرة سلمية مناهضة للاستيطان في أغسطس 2012.

 

واصلت الفتاة نهج التصدي والتحدي لجيش الاحتلال في اعتداءاته على عائلتها وجيرانها، حتى وقعت الحادثة الثانية التي أظهرت شجاعتها، إذ شاركت أمها في تخليص شقيقها "محمد" من يد جندي للاحتلال داهم الطفل على صخرة وهو مكسور اليد في العام 2015، وأشيد حينها بشجاعة تلك الطفلة التي تمكنت من تخليص شقيقها من الاعتقال.

 

وحين وصلت "عهد" سن المراهقة لم تنشغل بما يمكن أن يشغل بنات جيلها، فقد استغلت شجاعتها في الميدان، وكانت تمنع جنود الاحتلال من اعتقال شبان قريتها، ومنعتهم أكثر من مرة من استهدافهم بالرصاص الحي والمعدني المغلف بالمطاط، وكان آخرها في حادثة اعتقالها؛ إذ رفضت الفتاة ترصد قوات الاحتلال بالشبان من أمام بيتها.

 

ولمواقفها الشجاعة المتعددة، حصلت "عهد" على جائزة حنظلة للشجاعة عام 2012 من قبل بلدية باشاك شهير التركية، وهي تطمح إلى دراسة القانون لتصبح محامية، وتقول: "لمّ أكبر بدّي أصير محاميّة؛ لأساعد أهلي ووطني والأسرى، لأظهر للعالم ولمحكمة العدل العليا الدولية (تقصد محكمة لاهاي الدولية) حقوق أبناء شعبي"، وتضيف لـ"مونتيور": "هناك قوانين لحقوق الإنسان يجب أن تطبّق، ويكون هناك عدل بين الفلسطينيين وبقيّة الشعوب، لازم تنتهي العنصريّة بالعالم".

 

وفي نهاية العام الماضي، شنّ إعلام الاحتلال حملة شرسة ضد "عهد"، بعد أن انتشر فيديو لها وهي تصفع جنود الاحتلال المدججين بالسلاح وتطردهم من بيتها، حيث خرج وزير التعليم الإسرائيلي نفتالي بينت يقول: "يجب أن تقضي تلك الفتاة سنواتها في السجن".

 

وقد اقتحم الجنود الصهاينة دارها، واعتقلوها دون مرعاه لحداثة عمرها في "ديسمبر"، ولا لأي مواثيق دولية لحماية الأطفال، بل صرح متحدث جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي: "تخيلوا ماذا كان ليحدث لهذه المستفزة لو تصرفت بهذا الشكل مع ضباط أو جنود عندكم؟".

 

اعتقلت قوات الاحتلال "الطفلة عهد" برفقة والدتها، ووجّهت إليها تهمة صفع جندي إسرائيلي، بعدما تمت مداهمة منزلها. وبعد جلسات من التحقيق والمحاكمات، تقرر حبس عهد لمدة ثمانية أشهر، ووالدتها لمدة خمسة أشهر.

 

ويمثل تصدي وبسالة "عهد" أمام جنود الاحتلال الإسرائيلي لاعتقالها بعد تحريض مباشر وصريح من مسؤولين إسرائيليين، معنى جديدًا للمقاومة كما يجب أن تكون، إذ لم تعد الحاجة قائمةً للتخوف من العدد والعتاد أمام العدو، وهذا يعني الحاجة إلى شجاعة وقلب يملؤه الإيمان.

 

"جنى".. جهاد الطفولة

 

في حالة مشابهة نوعًا ومضمونًا، وإتساقًا مع كل ذلك، جاء الدور على نبتة أخرى، أنبتتها نفس القرية التي خرجت منها عهد التميمي، الحديث هنا عن جنى جهاد.

 

تبلغ الطفلة الفلسطينية المناضلة من العمر 11 ربيعًا، لكن يقال إنّ تسبق كثيرين من العرب، سياسيين وحكامًا بنصرتها للقضية الفلسطينية التي خُلدت شعبيًّا كقضية العرب الأولى.

 

تعيش "جنى" في قرية النبي صالح، وتقول عن نفسها إنّها أصغر صحفية فلسطينية في العالم، إذ تصوّر تقارير من فلسطين وتبثها على صفحات التواصل الاجتماعي لتنقل صورةً عن انتهاكات الاحتلال واغتصابه للأرض، ليس فقط بالعربية بل بالإنجليزية أيضًا ليصل صوتها لكل العالم.

 

تقول "جنى": "من هنا تنطلق رسالتنا، كأطفال وشعب فلسطيني أننا باقون هنا وحتى تبقى القدس عاصمة فلسطين الأبدية".

 

بدأت "الطفلة الأيقونة" مسيرة النضال في سن السابعة، إذ اعتادت على نقل التظاهرات وملاحقة الحدث الفلسطيني، ومؤخرًا بثت مقطعًا لواقعة اعتقال "عهد التميمي" التي تصفها بـ"الصديقة"، إذ تحدت الاحتلال بشجاعةً، وواجهت الصوت بالسلاح.

 

تُفسّر تلك الحالات سياسة ثابتة لدى الاحتلال إزاء الأطفال الفلسطينيين، فيقول محافظ القدس ووزير شؤونها عدنان الحسيني: "سلطات الاحتلال الإسرائيلي تضرب بعرض الحائط كافة المواثيق والأعراف الدولية، وتستهدف الطفل الفلسطيني بمختلف مراحله العمرية".

 

وأضاف - في تصريحات له: "المئات من أطفالنا لم يسلموا من الاعتقال الجائر واحتجازهم في ظروف قاسية وغير إنسانية تفتقر إلى الحد الأدنى من المعايير الإنسانية، حيث عزلت العديد منهم في زنازين انفرادية تفتقر إلى النظافة والرعاية الصحية، وتعمدت حرمانهم من زيارة الأهالي".

 

أطفال شهداء

 

ويعج التاريخ الفلسطيني بأطفال كثيرين نالوا الشهادة عقابًا لهم من الاحتلال بأنهم لم يطبقوا فلسفته الزائفة، ظنًا أنّهم سينسون حقهم في أرضهم التاريخية.

 

البطل "مصعب التميمي" ارتقى على درب الشهداء الأبرار وهو في سن 17 عامًا، ليكتب أجمل قصيدة تمناها، وهي "قصيدة الشهادة" التي زينت دروب وشوارع رام الله.

 

"مصعب" هو الابن البكر لعائلته بين ثلاثة أشقاء من قرية دير نظام في رام الله، كان مندفعًا للحياة ويرتب أيامه كقصائده التي كان يكتبها، وهو يفكر أن يصبح شاعرًا علّ الكلمات التي كان يخطها على دفاتره تبوح بحب وطنه وتجعل من صداها بوابات لانتصار الحق.

 

يقول والد الشهيد في تفاصيل استشهاد ابنه: "قوات الاحتلال اعتقلت شابًا من ذوي الإعاقة الذهنية، فتحركت مجموعة من الأهالي عند مدخل القرية للإفراج عنه، وأخبروا الضابط المسؤول بأنّ الشاب معاق، لكن الضابط أخبر الأهالي بأنّهم اعتقلوا مواطنًا، وسيقتلون آخر".

 

يوضح الوالد أنّه "عاد أدراجه هو ومن معه، في أعقاب رؤية غضب الجنود وتعطشهم للقتل، وما هي إلا دقائق معدودة حتى أطلق الجنود رصاصة على الطفل مصعب من مسافة متر تقريبًا، فارتقى شهيدًا".

 

الشهيد الطفل "ليث أبو نعيم"، عُرف عنه غيرته الشديدة من جنازات الشهداء الضخمة، مرددًا: "أريد زفة تشبه تلك الجنازات".

 

في يناير الماضي، حدث ما تمناه الشهيد "ليث" - صاحب الـ16 عامًا - من قرية المغيّر شمال شرق رام الله، حين أطلق جندي احتلالي رصاصة على وجهه، فارتقى شهيدًا.

 

كان ليث يحترم عامل النظافة، ويقول إنّ "القدس أجمل من باريس"، يُسابق أقرانه في التقدم لرشق جيبات الاحتلال بالحجارة، لم يسمح لأحد أن يسبقه، فكانت الرصاصة قريبة جدًا، وكان "ليث" أول الشهداء في المغير منذ 14 عامًا، حيث استشهد الطفل مناضل أبو عليا "14 عامًا" في 23 يناير 2006، بعد أن أطلق عليه جنود الاحتلال الرصاص خلال مواجهات ليلية في القرية.

 

الأطفال.. كيف أفشلوا الفلسفة الاحتلالية؟

 

في معرض تعليقه على ذلك، يقول الدكتور أيمن الرقب أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس: "الطفل الفلسطيني في الداخل يجد أن أبيه قد اعتقل أو استشهد أو أخوه أو أخته أو والدته، وبالتالي يرضع الوطنية منذ بداية طفولته، وينتج عن ذلك أن يصبح جزءًا من هذه الحالة".

 

ويضيف في حديثه لـ"مصر العربية": "الظروف في الداخل فرضت نفسها، وكانت تجربة الخارج ارتبطت بنموذج آخر وهو وجود فلسطينيي المهجر، حيث تعرضت بعض المخيمات للدك والقصف مثل ما حدث في لبنان، وكان أكبرها ما حدث في بيروت عام 1982، حيث قتل الأطفال جنبًا إلى جنب مع الفدائيين الفلسطينيين، ومن ثم أطلق عليهم أطفال الآربي جي".

 

ويتابع: "شارك الأطفال في كل أماكن تواجدهم إن كانوا في الداخل أو الخارج في مخيمات الشتات في الحالة النضالية".

 

ويذكر المحلل الفلسطيني: "الأمر أخذ منحى آخرًا في 1987، عندما انطلقت انتفاضة الحجارة وشاركت فيها كل مكونات الشعب الفلسطيني، ورأينا الطفل يحمل الحجر ويشعل الإطارات ويشارك في كل الحيثيات اليومية للانتفاضة، ووصل عدد من اعتقلوا خلال تلك المرحلة إلى آلاف الأطفال الفلسطينيين".

 

ويواصل قائلًا: "منذ نشأة الاحتلال، كان يراهن أنّ الأجيال ستنسى وهذا على لسان جولدا مائير رئيسة وزراء الاحتلال التي تحدثت أنّ كبارهم سيموتون وصغارهم سينسون".

 

ويرى أنّ مسيرات العودة التي انطلقت في قطاع غزة مؤخرًا أثبتت فشل هذه الفلسفة، فالأطفال هو من تقدموا الصفوف بالآلاف ليؤكدوا إصرارهم على العودة لفلسطين.

 

ويستطرد: "أطفال فلسطين صحيح أنهم يفقدون طفولتهم لكن يكسبون رجولتهم، في حين مجتمعات عربية وغربية ينعم فيها الأطفال بالألعاب وكل ملذات الحياة لكن الطفل الفلسطيني يبحث عن كيف يلهو في جنود الاحتلال ويزعجهم".

 

ويقول: "أعتقد أنّ هذه لعبة من الألعاب المتطورة تكنولوجيًّا وميدانيًّا، فهو يمارس هواياته بدلًا من الألعاب الإلكترونية في مواجهة مباشرة مع الاحتلال".

 

ويؤكّد "الرقب": "الرهان على هذه الأجيال التي تكبر، وآخر إحصائية كانت نسبة من هم دون الـ18 في المجتمع الفلسطيني 65%، ما يعني أنّ هذه النسبة من المجتمع أطفال كما يصنف في بعض المؤسسات الدولية، وبالتالي نتحدث عن مجتمع فتي وناضج ونسبة الرجولة به عالية جدًا، وهذا يعطي أنّه لا يزال هناك أمل رغم سوداوية الصورة في المنطقة بشكل عام، حيث أرهقت بالدماء وشردت المنطقة وسقط ملايين العرب من أجل أن تبقى إسرائيل في منأى".

جميع الحقوق محفوظة لمصدر الخبر مصر العربية وتحت مسؤليتة ونرجوا متابعتنا بأستمرار لمعرفة أخر الأخبار علي مدار الساعة مع تحيات موقع موجز نيوز الأخباري

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى