الولايات المتحدة وصناعة داعش.. فض اشتباك

الولايات المتحدة وصناعة داعش.. فض اشتباك
الولايات المتحدة وصناعة داعش.. فض اشتباك

[real_title] "من صنع داعش؟".. ربما يكون هو السؤال الذي انشغل به العالم أجمع، في ظل القدرات العسكرية المهولة التي يملكها تنظيم "الدولة"، والجانب الهيكلي الذي دفع كثيرين إلى اعتباره صنع مخابرات عاتية، اخترقت بلدان العالم العربي على وجه الذات.

 

من الوهلة الأولى التي ظهر هذا التنظيم الدموي، اشتمت رائحة الولايات المتحدة، كأحد أبرز الأطراف المتهمة بصنع "داعش"، وقد يكون الدافع في ذلك هو تعزيز أمن الاحتلال الإسرائيلي، حيث أنّ التنظيم يستهدف دولًا عربية، ولا يحمل رايته ولا يوجّه بوصلته صوب الكيان الصهيوني، أو ربما قرارات أمريكية كارثية قادت المنطقة لما هي عليه الآن.

 

تحدث موقع "ذي إنترسبت" الأمريكي في سياق شبيه لذلك، فجاء في تقرير للموقع ما صرّح به الطالب الجامعي آيفي زيدريتش لجييب بوش وحاول حاكم ولاية فلوريدا السابق بعد لقاء مفتوح في رينو بنيفادا في مايو 2015، إذ قال له :"أخوك هو الذي أنشأ داعش".

 

الأخ هنا المقصود به الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش الابن، لكنّ "جييب" ردّ على الاتهام بإلقاء اللوم على صعود تنظيم الدولة على الرئيس السابق باراك أوباما بسبب انسحاب أمريكا من العراق في عام 2011.

 

يذكر التقرير: "في الواقع إن اتهام زيدريتش لم يكن بعيدًا عن الصواب.. لولا قرار بوش الكارثي بغزو العراق واحتلالها عام 2003، في تحدٍّ للقانون الدولي، فإنّ المجموعة الإرهابية الأكثر رعبـًا في العالم لن تكون موجودة اليوم، فداعش ما هي إلا نتيجة عكسية".

 

كاتب المقال مهدي حسن وضع ثلاثة أسباب للتورط الأمريكي في صناعة تنظيم "الدولة"، أولها "تحول الأمريكيين في العراق من محررين أبطال إلى محتلين وحشيين، وقال: "الاحتلال العسكري الأجنبي يؤدي إلى تطرُّف السكّان المحليين، ويولِّد التمردات العنيفة، مثل حزب الله في جنوب لبنان، وحماس في قطاع غزة، فتحوَّل جنود الولايات المتحدة في العراق من محررين أبطال إلى محتلين وحشيين في غضون أسابيع".

 

يذكّر الكاتب بما حدث في أبريل 2003 بمدينة الفلوجة، التي أصبحت في ما بعد معقل تنظيم "الدولة"، إذ فتحت القوات الأمريكية النار على حشدٍ من المتظاهرين السلميين، مما أسفر عن مقتل وجرح العشرات من العراقيين.

 

ويرى أنّ "إطلاق النار والتعذيب والفوضى العامة ساعدت في دفع آلاف العراقيين من الأقلية السنية إلى أذرع الجماعات المتطرفة التي يقودها رجال وحشيون مثل أبي مصعب الزرقاوي"، ويلفت الكاتب إلى أنّ "تنظيم الزرقاوي في العراق الذي تشكل في عام 2004 لمحاربة القوات الأمريكية وحلفائها المحليين كان تنظيمًا تمهيديًّا لـ"داعش".

 

السبب الثاني - يقول الكاتب - هو حل الجيش العراقي وصناعة العناصر الأساسية للتمرد، فيقول: "في مايو 2003، حلّت سلطات الاحتلال الأمريكية الجيش العراقي في خطوةٍ غبية ومتهورة، وبالتالي هي جعلت الولايات المتحدة أكثر من نصف مليون جندي عراقي مسلحين جيدًا ومدربين تدريبًا جيدًا عاطلين عن العمل بين عشيةٍ وضحاها، بينما وصف الجنرال ووزير خارجية حكومة بوش كولن باول في وقت لاحق هؤلاء الجنود العاطلين عن العمل بأنهم عناصر رئيسية بالتمرد".

 

يبرهن على صحة ذلك، أنّ اكتُشف في السنوات الأخيرة، أنّ العديد من كبار القادة بتنظيم "الدولة" كانوا ضباطًا كبارًا سابقين في جيش الرئيس الراحل صدام حسين، ولا يمكن اعتبار ذلك صدفةً.

 

"تفريخ الجهاديين" هو السبب الثالث الذي وضعه الكاتب في مقاله، إذ اعتقل الجيش الأمريكي عشرات الآلاف من العراقيين "معظمهم لم يكونوا مقاتلين" في معسكر بوكا جنوبي العراق؛ ما مكن الجهاديين المسجونين من تجنيد عناصر جديدة على مرأى من الجميع، فضلًا عن التخطيط لعمليات وهجمات مستقبلية.

 

وينقل الكاتب ما قاله القائد جيمس سكايلر جيروند في وقتٍ لاحق: "كان العديد منا في معسكر بوكا قلقين من فكرة إنشائنا قنبلة موقوتة للتطرف"، كما يلفت إلى أنّ "قائد داعش أبو بكر البغدادي كان من المعتقلين السابقين في سجن بوكا".

 

وأعاد الكاتب في ختام مقاله، الإشارة لما كان قد صرح به ديفيد كيلكولن المستشار السابق لكل من الجنرال ديفيد بيترايوس، ووزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس، التي تعتبر واحدة من أبرز خبراء مكافحة التمرد في العالم، في حديثه لقناة "4 نيوز" في مارس 2016: "علينا أن ندرك أنّ الكثير من المشاكل من صنع أيدينا، ولا يمكن إنكار أن تنظيم داعش لم يكن ليظهر إذا لم نغزُ العراق".

 

لكنّ هنا تساؤلًا جديًّا يبرز على الساحة، هل استفادت أم خسرت الولايات المتحدة بظهور هذا التنظيم المتطرف، بغض النظر عن الخسائر الكارثية التي منيت بها الشعوب العربية سواء من تدمير البنى التحتية أو تهجير وقتل ملايين البشر.

 

ولا يمكن اعتبار التقرير الأمريكي عن صناعة واشنطن لهذا التنظيم، كانت مواقع دولية أخرى قد كالت الاتهام نفسه للولايات المتحدة، كما أنّ التحليلات قد وضعت فوائد ربحتها وأضرار منيت بها أمريكا جرّاء وجود التنظيم، حسب رصد موسع أجرته "مصر العربية".

 

بالنسبة للفوائد، فهي تتمثل في العمل كذراع لقوى إقليمية حليفة لأمريكا تشاركها الرغبة في تجحيم واستنزاف إيران، وصناعة أيديولوجية عربية تركز على العداء السني الشيعي، وأن يكون التنظيم قوة موازية لأمريكا وإسرائيل مثل حزب الله، وأن يكون تنظيم "الدولة" مبررًا قويًّا للتدخل السياسي والعسكري في الشرق الأوسط، هذا بالإضافة إلى تمزيق دول المنطقة ما يحافظ على أمن الاحتلال الإسرائيلي بعد تحويل الدول العربية إلى أطراف متناحرة.

 

أمّا الأضرار، فهي تتجسد في عدم ضمان ولاء قوة جهادية إسلامية لا سيّما بعد تجربة تنظيم القاعدة في أفغانستان، كما أنّ التنظيم يدعم من صورة النظام السوري بشار الأسد بزعم أنّه يكافح الإرهاب، بالإضافة إلى إيجاد إيران ذريعةً للتدخل الموسع لا سيّما في سوريا والعراق، كما أنّ التنظيم أثبت خطرًا كبيرًا على الغرب مقارنةً بحزب الله، هذا فضلًا عن أنّ نقطة ضمان أمن الاحتلال لا يمكن ضمانها بشكل مطلق في ظل وجود جماعات دينية تعتنق الفكر الجهادي عند "المسافة صفر" من حدودها الواسعة.

           

وجدت الولايات المتحدة مبررًا لتدخلها السياسي والعسكري في المنطقة، وقادت تحالفًا دوليًّا قال إنّه يحارب الإرهاب، وفي الأشهر الماضية فقد تنظيم "الدولة" مناطق سيطرته في سوريا وتبقى له فقط 5%، وفي العراق أعلنت هزيمته، وهنا فرض تساؤلٌ آخر عن أي مستقبل ينتظر هذا التنظيم المتطرف.

 

تنظيم "الدولة" ربما يجد نفسه أمام ثلاثة خيارات، وهي أن يحل نفسه وبخاصةً بعد خسائره الهائلة في مناطقه، بالإضافة إلى عائداته ومصادر الدخل التي كان يعتمد عليها في إدارة دولته.

 

الخيار الثاني أن يطوِّر التنظيم عمليات "الذئاب المنفردة"، التي أطلقها قبل نحو عامين، بأن يعتمد على خلايا تنفِّذ سلسلة هجمات مشابهة لما مارسه تنظيم "القاعدة"، والثالث أن يذهب التنظيم إلى الولايات كما سرت أو سيناء أو طبرق أو باكستان أو خرسان بأفغانستان وغيرها.

 

الكاتب والمحلل عبد الباري عطوان وضع هذه الخيارات الثلاث، وقال: "التنظيم على وشك الانتهاء جغرافيًّا وربما يتمدد إرهابيًّا، ولا أستبعد أن تكون أوروبا هي الساحة الأكبر بالنسبة له".

 

وأضاف: "التنظيم قد يبحث عن المناطق الرخوة في العالم الإسلامي خاصةً ليبيا وأفغانستان، وأيضًا منطقة الساحل الإفريقي".

 

قاد هذا الطرح عطوان إلى أنَّ يستبعد اختفاء التنظيم كليًّا، بل تحدَّث عن أنَّ المرحلة المقبلة قد تكون أكثر خطورة، مرجعًا ذلك إلى كونه تخلّص من عبء إدارة ما يسميها "دولة الخلافة".

 

وتابع: "علينا أن ننتظر فترة هدوء ثم فترة صعود لعمليات إرهابية من قبل هذا التنظيم".

 

عطوان رأى أنَّ هناك سوء فهم للتركيبة التنظيمية لهذا التنظيم، مشيرًا إلى أنَّ من يديرونه ليسوا هم من في الواجهة، موضحًا أنَّ التنظيم عبارة عن مزيج من قيادات بالجيش العراقي والحرس الجمهوري في زمن الرئيس الراحل صدام حسين، وبين بعض الإسلاميين.

 

ومضى يقول: "القيادة الحالية هي للعقداء والألوية الذين كانوا في عصر صدام حسين، وهؤلاء كانوا في الخلفية ولم يكونوا في الواجهة على الإطلاق، وإلا كيف تدير دولة أو خلافة أو مدينة كبرى مثل الموصل فهؤلاء بحاجة إلى تدريب وخبرات، ولا أعتقد أنَّ الشباب المنضم إلى التنظيم لديهم الخبرة التي تمكِّنهم من إدارة دولتهم".

 

ولم يستبعد عطوان أن تكون قيادات من الصفين الثاني والثالث بالتنظيم قد تسلَّلت خارج سوريا والعراق وذهبت إلى ليبيا أو الساحل الإفريقي أو أفغانستان أو باكستان.

 

وأعاد التأكيد على أنَّ القيادات الحقيقية للتنظيم كانت في الخلف ولم تكن في المقدمة.

 

ووضع عطوان اختلافًا بين البغدادي وأسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة، فأشار إلى أنَّ "الأخير" كان يطل باستمرار من خلال أشرطة، بينما زعيم تنظيم "الدولة" لم يظهر إلا مرة واحدة في يوليو 2013 حينما ألقى خطابه بمسجد النوري الكبير بالموصل وأعلن يومها ما أسماها "دولة الخلافة".

 

الخبير العسكري اللواء جمال مظلوم توقع أن تنضم بعد عناصر تنظيم "الدولة" إلى "القاعدة، باعتبار  أن الأهداف التي يعمل من أجلها التنظيمان واحدة.

 

وأضاف – لـ"مصر العربية" – أنَّ عناصر التنظيم كذلك قد يبحثون عن مناطق جديدة للانطلاق منها من أجل إعادة ترتيب أنفسهم من جديد.

 

ورأى مظلوم أنَّ انضمام عناصر تنظيم "الدولة" إلى تنظيم القاعدة سيقوي نفوذ "الأخير" في المناطق التي تتواجد فيها عناصره، لا سيما في العراق وسوريا، وهو ما يزيد من الخطورة الأمنية على دول المنطقة بأكملها.

 

الخبير العسكري ربط بين هذا السيناريو والأزمة مع قطر، إذ قال إنَّ "الأخيرة" تتعرض لضغوط بسبب سياساتها في المنطقة، معتبرًا أنَّ هذه الضغوط قد تؤدي إلى إجبار الدوحة على التوقف عن دعم الإرهاب، لا سيما أنّ لم تعد لديها حلفاء كثيرون بإمكانهم التغيير في ملامح رسم المشهد.

 

وشدد مظلوم على ضرورة تكثيف التعاون الدولي بصورة أكبر من أجل مكافحة الإرهاب، وتنشيط التعامل مع البؤر الإرهابية وتحجيم تحركاتهم.

 

"اللواء السابق" تحدث كذلك عن ضرورة التعامل مع الدول التي تنتشر فيها هذه العناصر المتطرفة وتحصل على بعض أشكال الدعم منها، سواء الأسلحة أو التمويل أو حتى التكنولوجيا التي تتيح لهم معلومات عن المناطق التي يستهدفونها.

 

جميع الحقوق محفوظة لمصدر الخبر مصر العربية وتحت مسؤليتة ونرجوا متابعتنا بأستمرار لمعرفة أخر الأخبار علي مدار الساعة مع تحيات موقع موجز نيوز الأخباري

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى