بشير مصيطفي: هكذا يمكننا إنقاذ اقتصاد الجزائر

اتخذت الحكومة الجزائرية إجراء استثنائيا للخروج من أزمة التمويل الناجمة عن تراجع مداخيل الجزائر جراء انهيار أسعار النفط منذ نحو ثلاث سنوات، وقد قلّل من مخاطره الخبير الاستراتيجي في الاقتصاد الدكتور بشير مصيطفى وزير الاستشراف والإحصاء السابق، بقوله في حوار مع مصر العربية " إذا نجحت الحكومة في تحقيق شروط الإقلاع الاقتصادي".

 

وإلى نص الحوار..

 

دخلت الجزائر في أزمة اقتصادية بدأت منذ 2014 بعد انهيار أسعار النفط، ماهو المخرج الممكن للجزائر من أزمتها في ظل انخفاض أسعار النفط؟

 

ليس هناك أكثر من مخرج واحد وهو رفع نسبة التصدير خارج المحروقات المهددة بالنضوب على المدى البعيد وعشوائية الأسعار على المدى القصير، ينبغي أن يكون رفع نسبة التصدير خارج المحروقات هدفا استراتيجيا لأنه يحرك أهدافا ثانوية أخرى وهي: تنويع الاقتصاد من حيث اعتمادات الاستثمار خاصة وأن الاقتصاد الجزائري يتمتع بطاقة فنية عالية في 14 قطاعا انتاجيا وخدماتيا ولكن القيمة المضافة مبنية على ثلاثة قطاعات فقط ( المحروقات – الأشغال العمومية والبناء – التجارة )..

 

وأيضا، ضبط السياستين النقدية والجبائية للدولة، وتطوير المورد البشري من خلال استثمارات حقيقية للتدريب على المهن والمعرفة، تحسين مناخ الأعمال وفق معايير التنافسية، وتطبيق الطرق الكمية في الاستشراف واليقظة الاستراتيجية، وأخيرا حوكمة الإدارة الاقتصادية حسب معياريتي التسهيل وسرعة الإجراءات.

استراتيجيتكم بعيدة المدى، هل من استراتيجية قصيرة المدى على الأقل لتخفيف انعكاسات الأزمة اجتماعيا؟

 

على المدى القصير: تطهير السوق النقدية وامتصاص فائض السيولة في السوق الموازية باعتماد عملة وطنية جديدة ( الدينار الجزائري الجديد) وتنويع منتجات المالية بما في ذلك الصيرفة الإسلامية والزكاة والوقف والتأمين التكافلي لجذب مدخرات العائلات والشركات، استحداث منصب وزير منتدب للجباية وظيفته الابتكار الجبائي وتطبيق سياسات جبائية جديدة مبنية على التحصيل وليس العبئ، إطلاق خلايا لليقظة الاستراتيجية على مستوى جميع القطاعات المعنية بالتنويع الاقتصادي وظيفتها متابعة الخطط وبرامج الاستثمار وطرق التسيير وتدريب الكفاءات.

 

لجأت الحكومة إلى التمويل غير التقليدي (سندات الخزينة) وحددت القرض لمدة خمس سنوات، وهناك تخوف من ارتفاع معدلات التضخم . برؤيتكم.. هل هذه المخاوف مبررة؟

 

نعم، التمويل غير التقليدي تمويل استثنائي في كل الدول التي طبقته ( اليابان في 2001 – أمريكا وبريطانيا في 2008 ) كانت دولا منخفضة التضخم ( 1 بالمائة الى 1.5 بالمائة ) ولذا مشكلة ارتفاع الأسعار لم تكن مطروحة..
 

أما في الدول التي تطبق سياسات اقتصادية تضخمية فالأمر يختلف، لأن التمويل المسبق عن الناتج الداخلي الخام سيتيح للأسعار فرصة خفية لامتصاص السيولة الإضافية وكلما كانت السيولة الإضافية كبيرة كان التضخم مُهما وكلما طالت مدة التمويل غير التقليدي طالت فترة زيادة الأسعار..

 

ولذا تقيد الحكومات التمويل التقليدي بشرطين اثنين هما: المدة القصيرة وحجم السيولة المدروسة (أقل من 280 يوما ، 10% من الجباية العادية) لتمكين الحكومات من إدارة الآثار التضخمية لمثل هذا الإجراء.

 

اقتراض البنك المركزي سندات الخزينة وطبع النقد عليها، إلى أي حد يساهم هذا الإجراء الاستثنائي في الإقلاع الاقتصادي؟
 

هذا الإجراء هو إجراء تمويلي ولا علاقة له بالإقلاع الاقتصادي إلا في حالة واحدة وهي تطبيق خطة مرافقة لتصحيح التوازن الاقتصادي في المدى القريب، وتنويع الاقتصاد لرفع الصادرات خارج المحروقات في المديين المتوسط والبعيد كما أسلفت في السؤال الأول.
 

الإقلاع الاقتصادي هدف استراتيجي متوسط المدى لأنه يتطلب شروطا هيكلية وتشريعية وبشرية تضمن التحّول السريع ، بينما التمويل التقليدي هو اجراء قريب المدى يستهدف ثلاثة عمليات هي: المساهمة في سد عجز الموازنة ( بند التسيير أو التجهيز أوكلاهما )، تسديد ديون الحكومة تجاه القطاع الاقتصادي ( الطاقة مثلا )، وأخيرا تمويل استثمارات الدولة ولو بشكل جزئي أي المساهمة في تمويل (الصندوق الوطني للاستثمار).

هل ثمة مخاطر محتملة برأيكم نتيجة هذا الحل الذي لجأت له الحكومة؟

 

لكل عملية من هذا النوع فرص (منافذ جديدة للتمويل خارج السوق النقدية التقليدية) ومخاطر( ارتفاع الأسعار بسبب فراغ التغطية من الناتج الداخلي الخام مادامت العملية عبارة عن تغطية مسبقة للناتج، واحتمال بروز متغيرات غير منتظرة تعيق تطبيق السياسات الهيكلية المرافقة مثل تراجع جديد في ايرادات الميزانية جراء تراجع سوق النفط الذي تعتمد عليه الجزائر في تشكيل النقد الأجنبي بنسبة 98%).

 

هناك من يرى أن التمويل غير التقليدي أعاد الجزائر إلى أجواء التسعينات 1992 التي أجبرت الجزائر على جدولة ديونها الخارجية، اليوم قد تُجبر الجزائر للإستدانة الخارجية.. مارأيكم؟


 

التمويل غير التقليدي الذي أقره قانون النقد والقرض لا يحدد مدة التطبيق ( من سنة الى 5 سنوات ) ولا حجم التمويل غير التقليدي ولا حجم السندات التي على الخزينة إقراضها للبنك المركزي وأحال ذلك كله على التنظيم، ما يعني هامش مناورة مريح للحكومة في إدارة أزمة السيولة تغني عن التمويل الخارجي (المديونية الخارجية) بشرط النجاح في شروط التحول والاقلاع الاقتصادي.

 

التمويل الأجنبي حل أخير عندما تستنفد الحكومات تدابير التمويل الداخلي وبرأيي لن يكون ذلك قبل خمس سنوات أي قبل تلاشي سقف المدة المخصصة للتمويل غير التقليدي.

 

هناك أطروحات أن الصيرفة الإسلامية تعتبر مخرجا لأزمة الجزائر الاقتصادية.. مارأيكم بذلك؟

 

الصيرفة الإسلامية هي جزء بسيط من منظومة مالية كاملة هي ( التمويل المبني على الشريعة الإسلامية) وتشمل التأمينات وسوق الأوراق المالية وسوق رؤوس الأموال وهي منظومة ناجحة في جميع الدول التي طبقتها بما فيها الدول غير المسلمة ( الغربية مثلا ) لأنها تعتمد قاعدة ( توزيع المخاطر والأرباح PLS ).

 

وفي الشأن الجزائري الصيرفة الإسلامية تقلل من الحاجز النفسي والديني للجزائريين تجاه موضوع ( الفائدة البنكية – الربا ) وتجذب مدخرات العائلات المتوسطة والشركات ذات الفائض في السيولة بسبب العائد العالي على استثمارات البنوك الإسلامية وخاصة ( تمويل الاستهلاك)، وللتذكير تصنف الجزائر في مقدمة الدول عالية الادخار ( 51 % ) بسبب ضيق منافذ الاستثمار ( 18 %).

 

وتتجه الجزائر للمزج بين الصيرفة الإسلامية والصيرفة التقليدية من خلال الشبابيك المستقلة في البنك الواحد، وأتوقع الشروع قريبا في إطلاق وكالات جديدة للصيرفة الإسلامية ضمن الهيكلة الحالية للبنوك التجارية العمومية.

 

الأزمة الاقتصادية تسببت في تراجع مداخيل الجزائر إلى أكثر من النصف.. ما هو انعكاس هذا الانخفاض على المشاريع الكبرى في برنامج الرئيس بوتفليقة؟ وهل يمكن تجميدها لحين انفراج الأزمة؟


 

يتجه احتياطي الجزائر من النقد الأجنبي الى 87 مليار دولار نهاية 2018 في اتجاه التراجع بسبب بنية التصدير، والانعكاسات ظهرت فعلا على وتيرة انجاز المشروعات الكبرى للدولة (سكك الحديد – البنى القاعدية – النقل ) لكن السكن لازال قطاعا محميا بسبب طبيعته الاجتماعية ويحظى بالأولوية، وكما ذكرت لك فإن استهداف تمويل الصندوق الوطني للاستثمار من خلال التمويل غير التقليدي لمدة سقفها 5 سنوات يسمح بكل تأكيد بتجاوز صعوبات استكمال المشاريع المخططة في مخطط عمل الحكومة لاستكمال برنامج رئيس الجمهورية ( 2014 – 2019 ).

 

في السنوات الأخيرة برز منتدى رجال الأعمال (البترونا) ولعبت دورا في الحياة السياسية.. هل ينعكس هذا الدور على الاقتصاد بالاستثمار وسوق العمل؟

 

منتدى رؤساء المؤسسات FCE مركز مالي مهم يمكنه التحول إلى قوة اقتصادية في المدى المتوسط إن عرف كيف يستثمر في رأس المال الوطني الخاص المتشكل في التراكم الرأسمالي في الفترة الأخيرة خاصة وأن عدد المؤسسات المنتسبة للمنتدى مهم ويساوي 1600 مؤسسة برأسمال إجمالي قدره 40 مليار دولار وسوق تشغيل حجمها 350 ألف عامل وإطار، وبدون شك يمكن تطوير هذه المؤشرات وفق تحقيق نموذج النمو الجديد أي النجاح في تحقيق الإقلاع الاقتصادي آفاق العام 2030 .

 

الأمر في رأيي يتوقف على إطلاق ( الميثاق الوطني للشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص ) للسماح بتوسيع قاعدة القطاع الخاص خارج المؤسسات العائلية والصغرى والمتوسطة إلى القطاعات الاستراتيجية المؤثرة بقوة في تنويع التصدير ورفع مؤشر النمو إلى 6 % آفاق العام 2030 .

 

أنتم ممن يعتقدون أن صندوق الزكاة يمكن أن يمّول جزء من ميزانية الدولة لأن حجمها يزيد عن 12 مليار دولار حسب تقديراتكم.. هل الزكاة إجبارية في النظام المالي الجزائري حتى يمكن الاعتماد عليها؟

 

الزكاة في الجزائر فريضة دينية مطبقة بشكل كامل ولكنها لا تتبع النظام المالي للدولة ولا تتمتع بتشريع مالي أونقدي أو قانوني عدا التنظيم ضمن هيكل وزارة الشؤون الدينية والأوقاف (صندوق الزكاة)، وبالتالي فهي غير إجبارية ولن تكون كذلك ضمن الهيكلة السياسية للدولة..
 

والمطلوب تفعيل الزكاة كآلية لتمويل احتياجات الأبواب أي المصارف الخاصة بها (الفئات في حاجة لمساعدة ) وهو جزء من الإنفاق العام الذي نسميه في صلب ميزانية الدولة بالتحويلات الاجتماعية . والطريق المختصر لذلك تأسيس ( البنك الجزائري للزكاة – Fonds Algérien de la Zakat - FAZ ) وهو بنك متخصص ضمن النظام المصرفي الجزائري ويخضع للقانون التجاري الجزائري يعمل على تحصيل الزكوات في شكل حساب مشترك للمستحقين وتحويلها الى أصول استثمارية لفائدتهم في أشكال ممكنة ( مناصب عمل – أسهم – حقوق تملك – منح شهرية – حقوق توريث)..

 

وبذلك يمكن الوفاء بحاجات الفقراء بشكل مستديم ودوري وتحقيق اكتفائهم بحيث يغادروا مؤشر الفقر سريعا، وتحقيق استثمارات مرافقة للزكاة والمساهمة في رفع النمو، خاصة إذا وضعت استثمارات الزكاة وتقديرها 12 مليار دولار سنويا بشكل متدفق في خانة تنويع الاقتصاد كما أسلفت في السؤال الأول.


 

جميع الحقوق محفوظة لمصدر الخبر مصر العربية وتحت مسؤليتة ونرجوا متابعتنا بأستمرار لمعرفة أخر الأخبار علي مدار الساعة مع تحيات موقع موجز نيوز الأخباري

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى