اخبار السياسه ناس مننا.. جليلة الطرابيشي: الأرواح لم تمت بـ«حديث الصباح والمساء»

«مين فينا جاي مرساها مين رايح، لحظة ميلاد الفرح كان في حبيب رايح، يا أبو الروايح يا نرجس ماتجس وتر القدر، تلقى حكايات البشر فيها عبير العبر صادح».. بصوت أنغام الشجي وموسيقى عمار الشريعى التي تنساب من الأذن لتتغلغل بالقلب، حفرت كلمات فؤاد حجاج حروفها بأذهان الكثيرين منذ عرضها عام 2001، التي فور بدايتها سرعان ما ترتسم البسمة ويقفز إلى الذاكرة واحد من المسلسلات المميزة بتاريخ الدراما «حديث الصباح والمساء».

«حديث الصباح والمساء».. مسلسل لم يمحوه الزمن

رغم طرحه قبل حوالي 20 عاما، لكن مسلسل «حديث الصباح والمساء»، المستوحى من رواية نجيب محفوظ، ومعالجة محسن زايد، وإخراج أحمد صقر، لم يُمحى من الذاكرة أو يغلفه النسيان، فمازال يحتل جانبا من الاهتمام ليقفز إلى «التريند» أحيانا، بشخصياته وأحداثه المميزة، حيث شارك به عدد ضخم من أبرز النجوم، منهم ليلى علوي وأحمد خليل ودلال عبدالعزيز وخالد النبوي.

على مدار 28 حلقة، شهدت جانبا من تاريخ مصر الاجتماعي والسياسي، عبر 3 شخصيات وتفرع لأبنائها وأحفادها وعلاقتهم الإنسانية ومواقفهم المختلفة تجاه الحياة والوطن، ظلت شخصية وحيدة هي الحية، بكرماتها الغريبة التي تفوق دورها بالرواية الأصلية، لتؤثر بشدة في الجمهور، بعد أن أكسبتها الفنانة عبلة كامل من طابعها الخاص.. وهي «جليلة مرسي الطرابيشي».

من هي جليلة الطرابيشي

ولدت شخصية جليلة في باب الشعرية، لوالدها مرسي الطرابيشي، الذي جسد دوره الفنان محيي الدين عبدالمحسن، حيث كان يعمل في مصنع الطرابيش، لتتوفى والدتها منذ صغرها وتتركها دون أشقاء، لكنها ترتبط بعلاقة أخوية قوية للغاية مع نعمة عطا المراكيبي، التي قدمتها دلال عبدالعزيز، في واحدة من أكثر العلاقات تأثيرا بالعمل.

شخصية جليلة اختلفت تماما عن باقي الشخصيات، حيث كانت «مشعوذة»، ما كان يمكنها من معرفة الكثير من الأحداث والتوقعات على مدار الحلقات، تمكنت من تطويعها شيئا فشيئا، بعد أن كان يغمرها القلق والخوف بالبداية، لتصبح لاحقا قادرة على علاج الآخرين، بوصفات غريبة، وبخورها الذي كان يعرفه الشارع أجمع من على بُعد، لتمتلك شعبية كبيرة وتكون مقصدا للعديد، من «اللي تعبان واللي عايزني أرقيه واللي افتحلها المنديل واللي أحللها العقد»، وهو ما كانت تعتبره «نعمة كبيرة ربنا وهبالي».

إتقان عبلة كامل للدور وخاصة في مشهد تحضير الجن، جعل دلال عبدالعزيز تشعر خلاله بالرعب الحقيقي، على حد قولها خلال ضيافتها ببرنامج «صاحبة السعادة»، قائلة: «عبلة خوفتني، وكنت مرعوبة، وكان من أصعب المشاهد في المسلسل لأننى جبانة».

بكاء وزغاريد.. عبلة كامل تمزج الفرح بالحزن في مشهد وفاة زوجها

تزوجت جليلة في المسلسل نجل صديق والدها، معاوية القليوبي، الذي قدمه الفنان محمود الجندي، لتحبه بشدة، رغم عدم إيمانه بعلاقاتها مع الجن، قبل أن يتقبل الأمر لاحقا، ويرزقان بأبنائهم «راضية، وشهيرة، وصديقة، وبليغ»، ليتقدم لاحقا لخطبة أكبرهن نجل صديقتها نعمة، وبعد إتمام الخطبة، جسدت عبلة كامل واحدا من أصعب المشاهد بالمسلسل، وهو رحيل زوجها أُناء تلقيها هدايا الخطبة، لتقرر كتمان الوفاة، وتحاول إسعاد ابنتها بـ«زغروطة» مدوية، لم تتمكن من إكمالها لتهرول إلى غرفة شريكها الراحل بصرخة حزينة قوية هزت الجميع، لتبكي بمرارة لفقدانه وتهلل بفرح لابنتها في آن واحد، لتكون خير مثال لمقولة «لحظة ميلاد الفرح كان في حبيب رايح».

عاصرت «جليلة» مواقف مريرة على مدار المسلسل، جسدته عبلة كامل بأداء ممزوج بمشاعر الأمومة الخالصة والحسم والحزن الممزوج بالصبر والمرح، حتى بعد طلاق ابنتها ووفاة زوج نجلتها الأخرى «صديقة» التي انتحرت، ما جعل موتها يشعرها بأنها «ضهرها اتقسم».

مشهد وفاة  صديقة عمرها نعمة المراكيبي، الذي يحفظ كلماته رواد المواقع الاجتماعي ويتداولون الفيديو الخاص به، واحد من أكثر المشاهد تميزا لجليلة، الذي أدته عبلة كامل بدموع حقيقية ودعت بها رفيقتها، حيث قالت به جملتها الشهيرة «خلاص يا حبيبتي مبقاش في لا أنيس ولا جليس، وراحت عشيرتك الحلوة.. خديني جمبك»، لتجلس بجوار جثمانها في لقائهما الأخير.

عاشت جليلة لأكثر من 100 عام بالمسلسل، حيث عاصرت حكم محمد علي باشا حتى ثورة 1919، حتى فقدت قدرتها على السمع والنظر، وباتت تتعرف على المحيطين بها من خلال اللمس فقط، وتقضي أغلب أوقاتها بمفردها بالفعل، دون جليس أو أنيس.