اخبار السياسه إلى صديقي الذي لا أعرفه.. ابق غريبًا

اخبار السياسه إلى صديقي الذي لا أعرفه.. ابق غريبًا
اخبار السياسه إلى صديقي الذي لا أعرفه.. ابق غريبًا

إلى صديقي الذي لا أعرفه.. ابق غريبًا

تحية وسلامًا يليقان بجعل العالم أكثر خفة لروحك وقلبك..

أما بعد...

أشعر برغبة ملحة للكتابة، بحاجة شديدة تدفعني دفعًا لأن أسطر سطورًا جديدة على ورقة بيضاء دون أن أعرف ماذا سأكتب هذه المرة بالتحديد، غالبًا ما يكون هناك حديثًا خفيًا وفكرة يتمحور حولها في الأغلب كل مرسال أرسله لك، وتنساب من بعدها الكلمات بمجرد البدء، لكن هذه المرة يتجاوز الأمر مجرد إنسيابية الحديث، هناك بداخلي فوضى ولا أعرف ماذا سأحكي، ولكني بحاجة للبوح، فدعنا نرى ماذا ستؤول إليه هذه الفوضى، وإلى أين ستأخذنا، وأرجو أن تتحملها وتتقبلها.

بمناسبة التقبل، دعني أخبرك أن الساعة الآن هي الثانية عشرة منتصف الليل، وفي هذا الوقت بالتحديد أحب الاستماع للراديو جدًا، وأحب هذا الهدوء الذي ينبعث منه، وأحب اختياراته، وكأن مستمعيه تجمعهم نفس الحالة ويعرفون بعضهم البعض.

منذ عام تقريبًا انطلقت إذاعة جديدة، وبدأ معها برنامج جديد يسمى "صديق القطر"، يذاع كل إثنين وأربعاء من كل أسبوع، تدور فكرته حول البوح لغريب، نفس فكرة الغريب الذي تلتقيه في قطار، وتتكون لديك شجاعة لتحكي له كل ما تريد بمنتهى الأريحية دون خوف؛ لمعرفتك بأنك لن تلتقيه ثانية، وهو ما تقوم على أساسه فكرة البرنامج، يطرح موضوع كل حلقة، دون معرفة أي شئ عن أطراف الحديث، لا اسم ولا وصف ولا تعريف، سواء عن مقدم البرنامج أو مستمعيه من أصحاب القصص، تتم المشاركة فيه من خلال التليفون وإرسال الرسائل عبر تطبيق "ask fm" والذي يخفي بيانات مشتركيه.

ارتبط عاطفيًا بقصص وحكاوى الأشخاص، أحب سماعها وأتعلم منها الكثير، أشعر بأنني أصادق أصحابها، وكمصادفة قدرية تذاع الآن في الخلفية حلقة جديدة من البرنامج، يدور موضوعها حول التقبل، وبسؤال بسيط طرحه مقدم البرنامج "محتاج تتقبل إيه في حياتك؟"، أقف حائرة أمام هذا السؤال، الذي يبدو سهًلا ولكنه على درجة كبيرة من التعقيد، وأتذكر دعاء المدمنين المتعافين حول العالم " اللهم امنحني السكينة لأتقبل الأشياء التي لا أستطيع تغييرها، والشجاعة لتغيير الأشياء التي أستطيع تغييرها، والحكمة لمعرفة الفرق بينهما" وأبدأ في ترديده.

أستمع للقصص وحكاوى المشاركين، أضحك أحياناً، وأفكر في حلول بيني وبين نفسي أحياناً، وأبكي مرات مع كل قصة موجعة، لا أعلم كم من المرات التي بكيت فيها منذ أن بدأ هذا البرنامج وتابعته بشكل دوري، ربما لصدق حكاويه، دعني أخبرك أنني أجزم بأن لدى القدرة على تمييز صوت الصدق وصوت أصحابه عن غيرهم، فهنا تنكشف الحقائق، وتظهر دواخل الناس وما حاولوا إخفائه عمدًا عن أعين المحيطين، والتعري بأصواتهم أمام الكثير من المستمعين، أشعر مع كل مرة أستمع فيها لهذا البرنامج بأننا صُحبة واحدة يعرف كل منا الآخر، نجلس في جلسة دائرية يستمع كل منا للآخر باهتمام بالغ، دون رغبة للحُكم على أحد أو إبداء الرأي، فقط للبوح، فقط للمشاركة، فقط لتطمئن أنك لست وحيدًا هنا.

البوح للغرباء، الذي يحمل معه إما صدقًا كامًلا والتعري أحيانًا، أو محاولة للهروب من الواقع وخلق سعادة لحظية بالحديث عن أشياء جديدة بعيدة تمامًا عما يدور بدواخل كل منكم، لا أعرف لمّ أتذكر الآن معاتبة لصديقة مقربة لي، في آخر جلسة جمعت بيننا في إحدى الكافيهات" بالدقي" منذ عام، تقابلنا فيها من أجل إصلاح بعض التغيرات التي طرأت على علاقتنا حينها، وتلك الجملة التي قالتها لي والتي لم أسمع أقسى منها في حياتي، ومازالت تتردد في أذني حتى الآن، قالتها لي بمنتهى الأريحية بشكل أفقدني القدرة على الرد "كل حاجة كنتي بتكتبيها وتعمليها في الفترة دي كانت بتكرّهني فيكي أكتر"، ماذا؟ هل وصل الأمر للكره؟، أي فعل هذا قمت به حتى يصل الأمر لأن يكرهني أحد، وليس أي شخص، إنها صديقتي المقربة! يا إلهي!!

اتهمتني حينها صديقتي بأنني فضّلت غيرها في وقت كانت تعلم هي جيداً كم كان قاسيًا.. جدًا، وبنفس اللحظة قالت أنها لم تكن قادرة على تحمل حالتي حينها، ما هذا الجنون، أضحك الآن وأنا أتذكر تلك الكلمات التي تحملتها منها حينها ولم أدافع عن نفسي، صمت.

صديقتي لم تعرف أنني تعمدت تخفيف وطأتي عليها في تلك الفترة لإيماني بأنني لم أستطع التمثيل أمامها وتجميل حالتي كما كنت أفعل مع غيرها ممن كان يريد مقابلتي، أردت حينها أن أتعافى بمفردي دون محاولة من أحد المقربين لتخفيف ذلك، فرأت هي حينها فقط أنني متعافية، ولم ترى حقيقة الأشياء بداخلي، منذ أن انتهينا من هذا اللقاء شعرت بأن علاقتنا تبدلت بشكل كامل، وكأننا عقدنا اتفاق ضمني بذلك ودون مصارحة، كنت أعلم في قرارة نفسي أننا لن نعود كما كنا فانفرطت حبات التعلق، ولكن لها مني كل المحبة والامتنان مدى المدى.

بمناسبة التعلق يا صديقي، لم أخبرك أنني من فترة أرسلت رسالة صوتية عبر الواتساب لصديقة لي تعيش بالخارج، حكيت لها عن حاجتي لتخفيف التعلق بالأشخاص والأشياء والأماكن، وأن عليّ تفهُم أن دوري ليس إصلاح العالم من حولي، وعليّ أن أقدّر قيمة نفسي بشكل أكبر من ذلك، تفاجئت حينها صديقتي من رغبتي تلك، لماذا أريد ذلك؟، وكيف طاوعني قلبي على قول ذلك من الأساس-هذا الجزء الخاص بالتعلق بالتحديد-، وأرسلت لي رسائل صوتية مطولة تحكي وتحكي عن أشياء عدة، لم أقتنع حينها بشكل كافي لتغيير رغبتي التي أعلنت لها عنها، لكني لم أعرف سبب واضح لرغبتي الآن في ألا أفلت قلبي وأحرمه لذة التعلق، أقتنع تمامًا الآن يا صديق بأن التعلق خيرًا من قلب مجمّد.

فقلب ينبض، يطير فرحًا بأتفه الأسباب ربما، يتمزق وجعًا بخذلان واقع، يضطرب خوفًا، هادئًا مطمئنًا، مُجبَرًا بوجود أحدهم، دون أن يفقد حريته أو أن يفقده هذا التعلق رغبته في الحياة، كل ذلك دليًلا واضحًا بأنك حي، مفعم بالحياة، وأن تلك التقلبات كالمؤشرات التي يصدرها جهاز قياس نبضات القلب وانحناءاتها، والتي إن سارت كخط مستقيم فهذا دليل على غيابك.

أشعر بقدر من التحسن الآن، وهدأت ضربات قلبي، وأشبعت رغبتي للبوح لك يا عزيزي، رُتبت القليل من الفوضى بداخلي، وكل ما أتمناه في هذه اللحظة بالتحديد، أن أكون صادقة في مشاعري، وما أبوح به، وتقبل الأشياء من حولي، والحكمة لمعرفة ما أريد وما لا أريد، وأن تستمر مؤشرات قلبي في الهبوط والتصاعد لفترة أكبر دون أن يكرهني أحد.. وألا يزور الكره قلبي أبدًا.. أبدًا. وأن تبقى غريبًا.

سلامًا ومحبة من صديقتك التي لا تعرفك.

جميع الحقوق محفوظة لمصدر الخبر الوطن وتحت مسؤليتة ونرجوا متابعتنا بأستمرار لمعرفة أخر الأخبار علي مدار الساعة مع تحيات موقع موجز نيوز الأخباري

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى