الحالة "المِتْلَصَّمَة" لم أجد مصطلحا أكثر فصاحة من "متلصمة" لوصف حال مصر في هذه الحقبة العصيبة؛ فبالمعادلات الحسابية والمنطق لا تستمر الحياة الإنسانية في هذا البلد طويلا وسط الانهيار الاقتصادي المستمر بسبب الحروب والفساد ثم الثورات. لكن تبقى قوة هذا الشعب في قدرته الفائقة على التكيف تحت أي ظرف؛ فالحياة تستمر رغم قسوتها، ويحاول المصريون تعويض ما ينقصهم بأي شكل "علشان الدنيا تمشي" و"اهي ماشية"، و"أهم حاجة الستر و الصحة" وطبعا "رضا الحمدلله". الحياة في مصر أصبحت أشبه بمباراة كرة قدم في إحدى الحارات: الكرة من الشراب والملعب افتراضي والمرمى بين صخرتين، واللاعبون في الفرقتين دون ملابس رياضية وربما دون أحذية! هي مباراة "متلصمة"!! وأهي ماشية والعيال بتلعب ومبسوطة هي تبدو مباراة في كرة القدم بكل أركانها، ولكنها ليست كذلك وكلنا نعلم أنها ليست كذلك، ونحاول قدر الإمكان الاستمتاع بها كما هي، وننتظر ونسعى ونأمل في اليوم الذي ستتحول الكرة الشراب إلى كرة أصلية، وتتحول الأرض الصلبة إلى نجيلة. تخيل أن يأتي مندوب من الفيفا ليقوم بالتحفظ على الكرة الشراب لأنها ليست كرة ذات مواصفات قانونية أصلية! طبعا رد الفعل سيكون هيستيرية ضحك. هكذا الحال في مصر! تستقبل المستشفيات الحكومية المصرية آلاف الحالات الجراحية على مستوى الجمهورية، والتي من المفترض أن تكون تحت غطاء العلاج على نفقة الدولة، وبسبب الضائقة المالية وغلو أسعار المستلزمات؛ فقرار العلاج على نفقة الدولة أصبح لا يكفي! هل نترك المريض دون جراحة؟! لا طبعا.. زي أي مصري أصيل: بنلصمها! تُستكمل المبالغ من المريض نفسه إذا كان في استطاعته، أو كذلك من التبرعات المالية وأموال الزكاة! والدنيا ماشية ورضا الحمد لله! لا نقبل نحن الأطباء أموالا من المرضى تحت أي ظرف، بل على العكس لطالما دفعنا للمرضى من أموالنا الخاصة "عشان الدنيا تمشي. أفلا تعقلون!!