اخبار السياسه «الكيباه» الخفية

تجمدت عيناه على شاشة التليفزيون وهو يشاهد وقائع الظلم والقهر التى يمارسها جنود الاحتلال الإسرائيلى بالاشتراك مع بعض المستوطنين المتطرفين من هؤلاء الذين يرتدون غطاء رأس صغير يميز اليهود المتزمتين ويسمونه «كيباه» على مجموعة عائلات فلسطينية بكل أفرادها من أطفال ونساء وشيوخ، حيث أخذوا يبالغون فى التنكيل بهم وضربهم بأقدامهم وأحزمتهم، وكل واحد من الفلسطينيين يحاول تفادى الضربات بكلتا يديه وجسده، فى مشهد لا أخلاقى على مرأى ومسمع من ضمير العالم، بينما الفصائل الفلسطينية المتناحرة تُصدر بياناتها العنترية، والمسجد الأقصى يُستباح يوماً بعد بوم، بينما يكتفى الإعلام بالتقاط بعض الصور التى أغلبها لا يرى النور، وتحتفظ بها وكالات الأنباء الموجهة، ولكنه وجود لا بد منه لسد الخانة وإيهام الضعفاء أن قضيتهم قد وُثقت إعلامياً.. نهض حزيناً وترك جهاز التليفزيون يلقى بظلاله على الغرفة نصف المظلمة، وغادر إلى موعده.

ارتمى على مقعد سيارته وقد أنهكه ذلك اللقاء الذى فاز به أخيراً بعد رحلة قاسية عبر أروقة المحاكم ودهاليزها الجغرافية وما أقذرها، والفكرية وما أعقمها.. وأخيراً حصل على حق رؤية ابنه بحكم قضائى وورقة على يد محضر.. لتُمتهن العلاقة المقدسة وتُختزل المشاعر الربانية وتصبح قيد جلسة تحت حراسة عسكرى.

ورغم أن المعركة انتهت فإن آثارها الجسيمة كانت واضحة على العينين البريئتين اللتين فقدتا بريقهما، وتبدل الحماس لرؤية بابا والزقططة عند قدميه إلى كابوس مواجهة أبورجل مسلوخة اللى بيخطف العيال. شعر بحزن ابنه الذى يفوق ما تحتمله سنينه الغضة.. ولكن أُسقط فى يده ولاذ بالصمت أمام كم الكذب والتشويه.. فثمن براءته غال جداً، هو آخر ما تبقى للصغير من ثقة فى أقرب الناس إليه.. أمه.

عاد خاوى الوفاض بعد محاولات ساذجة لاسترداد بعض الديون المؤجلة من أصدقاء ورفاق عمر لجأوا له وقت الشدة متوسلين.. معاهدين برد الدين وصون الجميل.

ومرت الأيام (ولعب الزهر واتحسنت الأحوال)، فإذا بالأبواب تُغلق، والهواتف لا تجيب، والأعذار المختلقة تكثر، ورحلات الحج والفسح إلى أوروبا تقدم على سداد الدين.. ليدرك أخيراً قيمة كلمات جدته الحكيمة بثقافتها الفطرية التى علمتها الأيام كثيراً، فكانت تردد مأثورات ترقى إلى حدود الحكمة (كان عندى صاحب ومال.. سلفت صاحبى مالى.. لا بقى عندى صاحب ولا بقى عندى مال).

انتبه على طرقات متعجلة، فتح الباب ليجد المفاجأة.. إعلان من المحكمة بعد أن قام شريكه وصديق عمره بالاستيلاء على نصيبه فى الشركة التى أنشآها معاً.. وأفنى سنين طويلة فيها.

قاوم دمعة متمردة على السقوط من عينين مذهولتين تبحثان عن عذر لبيع صداقة العمر فى سوق النخاسين مقابل بضعة أوراق مرسومة يتوافر لدى صديقه منها الكثير أصلاً.. اسمها نقود.

ذهب فى الموعد المحدد إلى مقر شركتة سابقاً لبدء مباحثات ظالمة مع شريك فاجر، يفرض شروطاً مجحفة، وقد خدعته ثقة العمر وجعلته يغفل عن توثيق كل حقوقه بوريقة صغيرة ممهورة بتوقيع اكتشف أنها أقوى من كل عهود الصداقة وعشرة السنين. ووقف «المطبلاتية» يجودون ألحان الخيانة تحت قيادة محامى الشركة. وأثناء جدل عقيم بدأ بخلع برقع الحياء واستمر فى استعراض «استربتيز» خليع لعهر الأخلاق حتى آخر ورقة توت تستر عورة الخيانة.. صمت فجأة، نظر فى ذهول إلى رأس الذى كان يوماً صديقاً.. وقد رأى فوقه غطاء رأس صغير كذلك الذى يرتديه اليهود المتزمتون. اندهش بشدة.. ألقى نظرة على المحامى ليجده هو الآخر يرتدى نفس الغطاء المسمى كيباة.. خرج مسرعاً يتلفّت حوله فى حيرة ليجد كل موظفى الشركة المتآمرين وقد ارتدوا جميعاً تلك «الكيباه» اللعينة.. هرع إلى الشارع مرعوباً ليجد حارس الأمن.. منادى السيارات.. الباعة الجائلين.. المارة فى الشارع.. راكبى السيارات.. الناس فى المحال.. كلهم.. كلهم يرتدون تلك الكيباه اللعينة.

فى حجرة صغيرة بإحدى المصحات النفسية حار الأطباء فى تفسير سر نزيل مصاب بانهيار عصبى يصيح بهستيريا.. انتم مين.. انتم مين.. فين أهلى.. فين بلدى؟.. وهو يحاول بكلتا يديه وجسمه حماية نفسه وكأن هنالك من يركله ويضربه.

بينما لا يزال التليفزيون يلقى بظلاله على الحجرة نصف المظلمة.. وما زالت نشرات الأخبار تندد بالظلم الصهيونى للشعب الفلسطينى.. ومازالت مشاهد القهر والذل تذاع على مرأى ومسمع من ضمير العالم.. وما زالت الفصائل الفلسطينية المتناحرة تصدر بياناتها العنترية.. وما زال المسجد الأقصى مستباحاً.

جميع الحقوق محفوظة لمصدر الخبر الوطن وتحت مسؤليتة ونرجوا متابعتنا بأستمرار لمعرفة أخر الأخبار علي مدار الساعة مع تحيات موقع موجز نيوز الأخباري

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى اخبار السياسه عاجل.. قرار مفاجئ من الأهلي بشأن قضية الشيبي وحسين الشحات