اخبار السياسه الدولة غائبة عن الشارع

لكل منا مقاييسه الشخصية وترمومتراته الفردية. وهذه الأيام يتشوق الجميع لعودة الـ«دولة»، وإن كانت عودة متباينة بحسب الرغبات. فبينما البائع المتمركز على الرصيف يرى أن عودة الدولة تتمثل فى تركه يحتل الرصيف دون أن تضايقه بحملات الإزالة، يجزم سائق التاكسى أن عودة الدولة تتمثل فى إلغاء منافسيه ومطاردة الدخلاء على المهنة من «أوبر» و«كريم» اللذين جعلا الزبون «يتملعن» عليه. والمدرس الذى أصبح مليونيراً بفضل الدروس الخصوصية يعرف عودة الـ«دولة» بأن تتوقف الحكومة عن مطاردة المدرسين «الغلابة» وتسأل الأهالى والطلاب الذين سيطالب أغلبهم بالإبقاء على الدروس الخصوصية وليس إغلاق مراكزها والتضييق على أصحابها. ويؤمن سائق المقطورة أن «الدولة» تتمثل فى حقه الكامل فى أن يستخدم الطرق السريعة والبطيئة وما بينهما على مدار الـ24 ساعة فى اليوم لأن «ده أكل عيش» وتقليص الساعات وتحديد المسارات يعنى أن الدولة «مش هنا». وتتوالى المفاهيم والتفسيرات التى يفصّلها كل منا على مقاسه، أو بحسب أولوياته، أو بناء على قناعاته. وهذا الزخم الحادث فى المعانى والتفسيرات هو أحد النتائج المباشرة للحراك السياسى الجارف الذى حدث فى مصر وهبط على ملايين المصريين فى أعقاب ثورة يناير 2011. وهو حراك فى أغلبه جيد وإيجابى، لا سيما أنه ظل غائباً أو كامناً أو يائساً طيلة عقود مضت. لكنه فى الوقت نفسه مرشح أن يكون مدمراً مفسداً مخرباً فى حال ظلت المعانى الحقيقية والقواعد الثابتة غائبة أو مغيبة أو خاضعة للمصالح الشخصية لكل منا، حتى وإن كانت مصالح مستحقة نظراً لتغلغل الفقر واستمرار الظلم وغياب العدل، أو كانت مغلوطة بسبب الجهل والتجهيل والتغييب، أو حتى ملتبسة بسبب صمت الدولة نفسها وتعمدها الغياب عن الساحة لأسباب لا يعلمها إلا الله. وحيث إن المفهوم المتعارف عليه للدولة بعيداً عن مصالح المصريين الشخصية، وأهواء الإخوان المأسلمة، وأحلام السلفيين المتوهمة، وأطماع الفاسدين المستمرة، ومطامح المتسلقين المتفجرة، يتلخص بحسب العلوم السياسية فى «مجموعة من الأفراد يعيشون ويعملون (خذ بالك من يعملون يعنى لم يقل يفتون أو يهرون أو ينظرون) فى إقليم جغرافى محدد، ويخضعون لنظام سياسى معين متفق عليه فيما بينهم. هذا النظام يتولى شئون الدولة، وتشرف (خذ بالك أيضاً من تشرف وليس تجهز على أو تمنع أو تنقض أو تراقب) الدولة على الأنشطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى تهدف إلى تقدمها وازدهارها وتحسين مستوى حياة الأفراد فيها (ولم يقل الإبقاء على الأفراد عند حد الكفاف حتى لا يتمكنوا من رفع رؤوسهم وتحكيم عقولهم)». وبالطبع فإن الدولة تختلف عن الحكومة، فالحكومات إلى زوال والدول إلى بقاء. وبمعنى آخر، فإن الدول الحقيقية لا تتعرض لهزات أو تجد نفسها فى مهب الريح إن ذهبت حكومة وجاءت أخرى، أو أخفقت واحدة وخابت أخرى. وحيث إننى ضمن الملايين التى ترى أن من حقها أن تضع تعريفاتها الخاصة ومعاييرها الشخصية ومقاييسها الفردية فى مسألة الدولة، فأقول إن «عودة الدولة» بالنسبة لى تتمثل فى خروج الشارع المصرى من مرحلة الفوضى غير الخلاقة، والعشوائية الجارفة، وقانون الغاب الطاغى، وغياب الضمير الواضح، وشيوع القبح البائن، وهيمنة البلادة المفرطة. كثيرون باتوا يترحمون على مصر التى كانت قبل ثورة يناير. يتشوقون إلى «عودة الشرطة كما كانت» أو «عودة القانون كما كان» أو «عودة السيطرة كما كانت» إلخ، هذا على الرغم من يقين الجميع بأن الأوضاع فى مصر لم تكن مثالية. فالشرطة لم تكن مثالية، والقانون لم يكن يطبق على الجميع، والسيطرة لم تكن تخضع لمعايير الأيزو القياسية، لكنها مقارنة لما أصبحت عليه الأمور بعد يناير حتى الآن، كانت أفضل. وعودة إلى الشارع الذى أعتبره مقياسى الشخصى. حين يُترك المرور «يضرب يقلب»، وحين يختفى رجال المرور من الشوارع ويكتفون بالظهور الموسمى لبضع ساعات فى أماكن متفرقة على فترات متباعدة، وتكتفى الحملات المرورية بالتأكد من سريان رخص الملاكى وتُترك التكاتك غير المرخصة من الأصل، والميكروباصات تلك النعوش الطائرة والوحوش الضارية، وأبناء عمها من سيارات الأجرة المرخصة ملاكى والمسماة بـ«الثُمن»، والدراجات النارية التى تعاود الظهور أعلى كوبرى أكتوبر وعلى الدائرى والمحور وشتى شوارع القاهرة دون لوحة معدنية، ناهيك عن السير عكس الاتجاه فى الشوارع الرئيسية فى وضح النهار، والاكتفاء بلوحة معدنية واحدة على الكثير من السيارات، وتمويه أرقام اللوحات بما فيها سيارات حكومية وأوتوبيسات نقل عام وغيرها، وترك المعتوهين والسفهاء يقودون السيارات ومستببين فى حوادث تسفك الدماء على كل الطرق دون ضابط أو رابط فهذا يعنى بالنسبة لى أن الدولة غائبة. وحين يحجز أصحاب المحلات التجارية والفرشات المتمركزة على الأرصفة والشوارع أماكن السيارات بأقماع بلاستيكية أو دبش من الأحجام الكبيرة ويمنعون أصحاب السيارات من إيقافها «علشان ده مكان أكل عيش»، وذلك تحت سمع وبصر الشرطة، فهذا يعنى أن الدولة غائبة. وحين يتعرض أحدهم لحادث مرورى أثناء قيادته السيارة فيتصل بالنجدة، والنجدة لا ترد، فهذا يعنى أن الدولة غائبة. هذه وغيرها من مظاهر الفوضى والعشوائية من قبل المواطنين، والتجاهل وتعمد عدم تطبيق القانون من أولى الأمر، تعنى غياب الدولة، ولن تعود إلا بشارع مصرى يليق بالبشر. تطبيق القانون على الجميع فى الشارع على مدار الـ24 ساعة طيلة أيام الأسبوع السبعة من قبل أشخاص مقتنعين بحتمية القانون نقطة بداية مناسبة لعودة الدولة الفعلية.

جميع الحقوق محفوظة لمصدر الخبر الوطن وتحت مسؤليتة ونرجوا متابعتنا بأستمرار لمعرفة أخر الأخبار علي مدار الساعة مع تحيات موقع موجز نيوز الأخباري

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى اخبار السياسه عاجل.. قرار مفاجئ من الأهلي بشأن قضية الشيبي وحسين الشحات