اخبار السياسه أفريقيا ليست مزبلة

استفز ذاكرتى موضوع تصدير نفايات إيطاليا إلى المغرب، وما أثاره ذلك من غضب داخل الأوساط الشعبية والحقوقية التى حولت الموضوع إلى قضية رأى عام مطالبة بمنع إتمام الصفقة ومساءلة وزيرة البيئة المغربية وإقالتها من الحكومة، وما تعانيه الدول الأفريقية من مخاطر أمراض وأوبئة بسبب نفايات العالم التى وجدت طريقها إلى هذه الدول المستضعفة.

وإذا كانت الحكومة المغربية قد أكدت أن النفايات المطاطية والبلاستيكية المستوردة من إيطاليا غير مضرة وأن استيرادها تم وفق المقتضيات القانونية المعمول بها مغربياً ودولياً، فإن الواقع يقول إن نفايات إيطاليا سبق وأثارت جدلاً واسعاً داخل إيطاليا سنة 2013 بسبب خطورتها على الإنسان وتأثيرها على البيئة، ما دفع الاتحاد الأوروبى سنة 2015 إلى فرض غرامات مالية كبيرة على روما قدرت بملايين اليورو.

وإلى أن يتأكد مآل النفايات الإيطالية المقبلة إلى المغرب ومدى خطورتها من عدمه، يبقى هناك معطى يجب على كل الحكومات أخذه بعين الاعتبار قبل عقد أى صفقة من هذا النوع، وهو أن الدول المتطورة الغنية التى تنتج حوالى %90 من النفايات الخطيرة فى العالم، استخدمت سياسات مبتكرة للتخلص من مخلفاتها غير المرغوب فيها، بإلقائها، بطريقة أو بأخرى، فى دول العالم الثالث. ويكفى أن نعلم أن التحقيقات التابعة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، تثبت هذا الواقع المر الذى مفاده أن %50 من نفايات العالم بأكمله تنتهى فى البلدان الأفريقية.

ويبقى أخطر أنواع هذه النفايات ينقسم إلى ما هو إلكترونى، ويتعلق الأمر هنا بأجهزة التليفزيونات والثلاجات غير صالحة الاستعمال والهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر المعطوبة.. وغيرها، والتى تحتوى جميعها على مواد معدنية وكيميائية خطيرة (مثل الرصاص والزئبق)، تسعى الدول المنتجة لها إلى تصديرها سواء كـ«خردة» يمكن إعادة استعمالها مرة أخرى (وهذا أمر غير صحيح)، أو كـ«مساعدات» و«تبرعات» ظاهرها إنسانى، وباطنها رغبة الشركات المصنعة فى الخلاص، بأقل التكاليف، من هذه الأجهزة التى أصبحت تشكل عبئاً عليها، من خلال إرسالها إلى أفريقيا.

ما يقال عنه «خردة» هو فى حقيقة الأمر بيع/تخلص سريع من مواد سامة وتصنيفها ضمن المواد المستعملة الصالحة لإعادة الاستعمال، وما يقال عنه «تبرع» هو تبييض عملية تصدير النفايات تحت غطاء العمل الخيرى. والنتيجة، تحولت أفريقيا إلى مقبرة للنفايات التى تشكل أخطر مصادر التلوث فى قارة تبدو متعثرة فى إيجاد طريقها نحو الخلاص من واقعها المأزوم.

أما النوع الثانى من هذه النفايات فمرتبط بالمخلفات المشعّة التى أثبتت عشرات الدراسات والتقارير، وجود أخطار تهدد الحياة والبيئة فى مناطق دفنها، مما دفع الدول المنتجة إلى البحث عن بديل لإقبار هذه المخلفات بعيداً عن أراضيها، وكان الحل طبعاً هو أفريقيا والشرق الأوسط، إما عن طريق الصفقات المشبوهة أو بالطرق غير الشرعية.

ولعل أبرز مثال على ذلك هو ما تعرضت له الصومال فى مطلع تسعينات القرن الماضى عندما تم كشف سفن تابعة لشركة إيطالية (بروجريسو) وسفينة ثانية تابعة لشركة سويسرية (شركاء أتشير) وهى تتخلص من النفايات النووية فى الشريط الساحلى للصومال. وبعدها كشفت التحقيقات وجود صفقة بين رؤساء هذه الشركات (الإيطالية والسويسرية) وبين أحد وزراء الصومال آنذاك، حصل بموجبها هذا الأخير على عمولة بقيمة 80 مليون دولار، وتم تصوير الأمر على أن الصومال منحت بموجب هذا الاتفاق غير الموثق الشركتين الحق بدفن ملايين الأطنان من النفايات السامة، بينما بررت الشركات هذه الصفقة بكون الصومال التى كانت تعيش حالة حرب لم يكن بها مرجعية يمكن فيها توثيق هذه الاتفاقات!.

والصومال لم تكن الضحية الوحيدة للنفايات النووية، بل هناك العراق والجزائر وليبيا والسودان التى اكتشفت وهى تنقب عن الذهب عام 2010، 500 حاوية من النفايات المدفونة فى باطن الأرض، والتى يرجح أنها تحتوى على نفايات نووية، نقلت بطرق سرية إلى صحراء العتمور خلال السبعينات من القرن الماضى.

وإذا كان قد راح ضحية الصفقة بين الوزير الصومالى والشركتين السويسرية والإيطالية الكثير من الصوماليين الأبرياء بعدما كشفت أمواج تسونامى ما خبأته السنوات من براميل تحمل مواد سامة طفت على الشواطئ الساحلية وقتلت الحياة فيها، فإن العالم لا يزال ينتظر تأثير النفايات المشعة وغيرها على باقى الدول التى أقبرت فيها.

الخلاصة، احتراماً للإنسان واحتراماً للحياة، من حق المغاربة أن يرفعوا شعار «المغرب_ليس_مزبلة» ومن حق الشعوب الأفريقية أن ترفع أيضاً شعار «أفريقيا ليست مزبلة» ومن حقها أن تدافع عن أمن بيئتها الذى هو من أمنها وأمن أبنائها.

ويجب على مسئولينا أن يتوقفوا عن التحجج فى كل صفقة بأنها تمت فى إطار اتفاقية «بازل» أو غيرها، فكلنا يعلم أن هذه الاتفاقيات ليست دليل نزاهة أو صك غفران، بل على العكس فمع وجود هذه الاتفاقيات لا تزال الأطنان من النفايات تواصل طريقها نحو أفريقيا، سواء لأن بلدانا لم تصادق عليها، أو حتى الدول التى صادقت لديها أيضاً وسائلها من أجل التحايل مرة باسم «المساعدات الإنسانية» ومرة باسم «النفايات غير المضرة».

علينا أن نكون أكثر حرصاً على بيئتنا وسلامة شعوبنا، وعلى الغرب أن يعيد النظر فى سياساته المتعلقة بنفاياته وأن يتحمل مسئولية تصنيعه وإعادة تدوير ما صنعه، فلا يجب استغلال فقر أو عدم وعى دول القارة السمراء من أجل إغراقها بالمواد السامة.

جميع الحقوق محفوظة لمصدر الخبر الوطن وتحت مسؤليتة ونرجوا متابعتنا بأستمرار لمعرفة أخر الأخبار علي مدار الساعة مع تحيات موقع موجز نيوز الأخباري

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق اخبار السياسه «القاهرة الإخبارية»: طائرات الاحتلال تكثف قصفها على جنوب شرقي مدينة غزة
التالى اخبار السياسه الساعة كام الآن؟.. تقديم الساعات 60 دقيقة مع تطبيق التوقيت الصيفي