اخبار السياسه العمل المدنى الوطنى

بعيداً عن الكلمات والعبارات التى جرى العرف على استخدامها فى المحافل الدبلوماسية، والتقاطها على الكاميرات السياسية، وتدوينها فى البيانات الصحفية، وقراءتها فى النشرات الإخبارية، حيث العلاقات المتميزة بين البلدين، والتاريخ المشترك بين الأمتين، والجغرافيا الملاصقة حيث «الحدودين»، وما يستلزم ذلك من صورة تُظهر أحضاناً دافئة بين الوزيرين أو المسئولين، هناك شكل آخر من أشكال العلاقات التاريخية والأخوّة الحقيقية التى لا تعرف طريقها إلى نشرة إخبارية أو تحليل سياسى أو تقرير عسكرى، وذلك لأن آثارها ومعانيها لا تقال لكنها تُحس وتعاش. وقد عاش الأمير طلال بن عبدالعزيز جانباً من حياته فى مصر المحروسة، شأنه شأن الكثيرين من أشقائنا العرب الذين يأتون للدراسة أو السياحة أو الاستثمار، لكن علاقته بمصر اتخذت شكلاً فريداً وتحولت إلى نموذج غير مسبوق. فالرجل -مع اختلاف الأنظمة وتغير نبرات ودرجات العلاقة بين القيادتين المصرية والسعودية على مدى عقود- يظل محتفظاً ببؤرة مصرية تتمكن منه فى كل حديث أو نقاش أو لمحة أو حتى رأى. هذه البؤرة التى يسمونها حيناً هوى، وحيناً عشقاً، وربما هى مزيج من العشق والهوى والارتباط، يجد ترجمة فعلية صارخة فى مجموعة ضخمة من المؤسسات والأنشطة التى يرعاها ولا يجد فى كل عام إلا مصر لتستضيف اجتماعاً سنوياً أو فعالية دورية أو حتى مراجعة لأزمة. وعلى الرغم من أن كلمة «تنموى» هى من الصرعات الحديثة التى يستخدمها كثيرون دون وعى كامل بمعناها، فإن الأمير طلال فعَل التسمية قبل عقود عبر عدد من المؤسسات التى تعمل على تنمية الطفل والمرأة والفقراء والشباب بأدوات عدة وعبر قنوات غير تقليدية تعمل على بناء الإنسان بحق. وقد شهدت القاهرة قبل أيام لقاء بين هذه المؤسسات والأمير طلال وعدد من الإعلاميين. كلمات الأمير عن مصر «التى لها مكانة خاصة فى العقل والوجدان» وأمنياته عن أن «يكون لها حظ وافر من مشاريع أجفند (هو برنامج الخليج العربى للتنمية، وهو منظمة عربية دولية مانحة أنشئت فى عام 1980 بمبادرة من الأمير طلال، ويعمل على دعم التنمية البشرية المستدامة بالتركيز على الفقر وتعزيز الصحة والتعليم وتنمية الطفولة المبكرة فى البلدان الأقل نمواً.) ومؤسساته التنموية» لا سيما أن معظم هذه المؤسسات مقرها مصر، لم تكن كلمات كتلك التى تلقى فى المحافل والاجتماعات على سبيل الاستهلاك الاجتماعى أو التسويق السياسى. كلمات الرجل كانت نابعة من القلب والعقل، وهو الذى بح صوته واستنفد كماً كبيراً من الطاقة محاولاً تعميم فائدة «بنك الفقراء» -تلك التجربة التنموية الرائدة التى أفادت ثلاثة ملايين فرد فى دول شتى حول العالم ونجحت فى إخراجهم وأسرهم من دائرة الفقر والعوز عبر قروض ومشروعات صغيرة ومتناهية الصغر- لتصل إلى مصر، دون جدوى. ظن الرجل أن مصر هى الدولة الأولى التى ستحتضن المشروع، لكن وحسبما قال «واجهته عراقيل بيروقراطية وأحياناً عقبات غير مفهومة»، وذلك منذ أوائل التسعينات. وبينما يعبّر عن استمرار أمله فى أن تكون مصر الدولة العاشرة فى منظومة بنوك التمويل متناهى الصغر مسمياً إياها «بنوك الإبداع»، رأى فى توسع عمل الجامعة العربية المفتوحة فى فروعها المختلفة ومنها القاهرة، وكذلك مجال الطفولة والمرأة العربية والعمل الأهلى بأشكاله المختلفة، نقاطاً مضيئة فى المنطقة العربية التى أصبحت غير مضيئة. والحقيقة أن عمل هذه المنظمات فى مصر لم يلق بعد -رغم مرور ما يزيد على ثلاثة عقود على تأسيسها- القدر الكافى من الالتفات والاحتفاء، لا سيما أنها تعمل بأفكار خارج الصناديق المعروفة، وآثارها معروفة لكل من تعامل معها أو كان شاهداً عليها من قريب أو بعيد. من رياض الأطفال إلى أطفال الشوارع، ومنهم إلى تدريب المعلمين وإتاحة فرصة التعليم الجامعى المرن للجميع ومد يد العون للمرأة العربية والبحث فى مشكلاتها ومستقبلها وفرصها، والقائمة طويلة جداً. ويكفى أن الأمير طلال هو من بنى أول مدرسة فى الرياض لتعليم البنات، وهى الفكرة التى لم تكن واردة من الأصل وقت تأسيسها. وإذا كانت أصوات تتعالى بين الحين والآخر لتلقى باللوم على نوعيات بعينها من الثقافات الغريبة علينا أو التفسيرات الدينية المتشددة التى وردت إلى مصر على مدار عقود من الهجرة من أجل العمل، فإن الأمير طلال يقدم نموذجاً بالغ التنوير يرتكز على الثقافة الوافرة والإلمام بالسياسة والثقافة والاقتصاد وتشابكاتها وتعقيداتها وما ينبغى أن تكون عليه من أجل رفعة الإنسان الذى يعتبره الرجل المشكلة والحل، شأنه شأن مصر التى يردد دائماً أنها قلب العرب، بها تستوى أمورهم وبدونها تتداخل وتتشابك وتتعقد وتنقلب أمورهم رأساً على عقب. إبان حكم الإخوان، وعلى الرغم من نظرته الواقعية للأمور دائماً، وبينما يتحدث عن رؤيته لظهورهم ونجاحهم فى الانتخابات بأسلوب عقلانى علمى بحث، دمعت عيناه. وحين حرر المصريون أنفسهم من حكمهم، دمعت عيناه مجدداً، لكن شتان بين الدمعتين. العالم العربى، الذى يقف اليوم فى مفترق طرق على صفيح بالغ السخونة حيث ملامح التقسيم باتت واضحة وضوح الشمس ومعالم التفتيت لا تخطئها العين أو القلب، لن ينهض إلا بالتعليم والالتفات إلى الإنسان الذى ظل بعيداً عن قوائم أولويات الحكام لعقود. المجتمع المدنى اليوم هو أحد أطواق النجاة المتاحة لدينا، لكن المقصود هنا هو المجتمع المدنى الوطنى الذى لا يحتمل أجندات خفية أو أغراضاً دفينة أو مصالح استخباراتية. ليت نصف العمل المدنى كهذا.

جميع الحقوق محفوظة لمصدر الخبر الوطن وتحت مسؤليتة ونرجوا متابعتنا بأستمرار لمعرفة أخر الأخبار علي مدار الساعة مع تحيات موقع موجز نيوز الأخباري

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق اخبار السياسه البيت الأبيض: بايدن أكد تعاون واشنطن مع مصر وقطر لوقف إطلاق النار في قطاع غزة
التالى اخبار السياسه الساعة كام الآن؟.. تقديم الساعات 60 دقيقة مع تطبيق التوقيت الصيفي