اخبار السياسه آلاء برانية تكتب: النساء في القضاء المصري.. إرساء للمساواة وإنهاء للتمييز

آلاء برانية تكتب: النساء في القضاء المصري.. إرساء للمساواة وإنهاء للتمييز

عانت المرأة لسنوات طويلة من التهميش داخل السلك القضائى، حيث قوبلت رغبة النساء فى تولى المناصب القضائية بالتعنت الشديد، ما أدى لانخفاض عدد القاضيات إلى نسبة لا تتعدى النصف بالمائة فى عام 2015، وبناء عليه دأبت الدولة المصرية منذ عام 2014 على النهوض بالمرأة المصرية وتمكينها فى الهيئات القضائية، إيماناً منها بتحقيق وإرساء مبدأ المساواة والقضاء على جميع أوجه التمييز ضد النساء، ونستعرض فيما يلى تطور وجود المرأة فى القضاء المصرى.

مرت قضية دخول المرأة إلى السلك القضائى بحالة من الجدل والخلافات داخل صفوف الأوساط القضائية نفسها، وتحديداً بين فقهاء القانون الذين رفضوا الأمر بحجة أن العمل القضائى غير مناسب لطبيعة المرأة، بينما تمثلت الأسباب الحقيقية فى بعض التقاليد القضائية التى لا تحبذ وجود المرأة من جهة، والتفسيرات الشرعية المغلوطة للدين الإسلامى من جهة أخرى، وليس بسبب أحكام دستورية أو بنود قانونية صريحة، ذلك نظراً لأن القانون المصرى كفل لمواطنيه حق المساواة بين الجنسين فى الحقوق والواجبات، كما أنه لا توجد نصوص قانونية صريحة تحظر أن يكون القاضى أو عضو مجلس الدولة امرأة، أما عن النصوص الشرعية ففى عام 2002 صدرت فتوى موقّعة من شيخ الأزهر آنذاك محمد سيد طنطاوى ومفتى الجمهورية حينها الشيخ أحمد الطيب ووزير الأوقاف محمود حمدى زقزوق، ونصت الفتوى على أنه «لا يوجد نص صريح قاطع من القرآن أو السنة النبوية يمنع المرأة من تولّى وظيفة القضاء». وتدحض تلك الفتوى جميع المزاعم عن أهلية المرأة وقوامتها وقدرتها على البت فى الأمور القضائية.

لذلك وضعت الدولة عدداً من الآليات، من بينها وضع معايير لاختيار المرشحين لتولى المناصب القضائية تتجنب التمييز ضد المرأة، وتضع الأولوية للكفاءة، وقد انعكس هذا جلياً فى توجيهات رئاسة الجمهورية لوزارة العدل بشأن الاستعانة بالمرأة فى مجلس الدولة والنيابة العامة، تماشياً مع النصوص الدستورية التى تكفل المساواة بين المواطنين، خاصة المادة 11 التى تنص على أن تكفل الدولة للمرأة حق التعيين فى الجهات والهيئات القضائية دون تمييز. كذلك المادة 14 من الدستور التى تنص على أن «الوظائف العامة حق للمواطنين»، والمادة 12: «العمل حق وواجب وشرف تكفله الدولة للمواطنين». ويُعدّ هذا التوجيه خطوة غير مسبوقة فى تاريخ الدولة المصرية، وذلك لندرة وجود المرأة فى الجهات والهيئات القضائية رغم وجود الكفاءات المؤهلة لذلك.

وشهدت دار القضاء العالى فى شهر سبتمبر 2022 حلف اليمين لدفعة جديدة من القاضيات المصريات تضمنت 73 قاضية، وذلك بعد تصديق الرئيس عبدالفتاح السيسى على قرار تعيينهن قاضيات ليعتلين منصات القضاء بالمحاكم الابتدائية فى خطوة جديدة مضيئة لتمكين النساء فى الهيئات القضائية، فعلى صعيد مجلس الدولة والنيابة الإدارية أتى قرار الرئيس عبدالفتاح السيسى رئيس الجمهورية رقم 446 لسنة ٢٠٢١ بتعيين عدد (۹۸) قاضية فى مجلس الدولة، وجلوس المستشارة «رضوى حلمى أحمد» على منصة المحكمة الإدارية العليا لأول مرة فى تاريخ مجلس الدولة، باعتباره حدثاً تاريخياً بعد 75 عاماً على إنشاء المجلس دون تعيين امرأة واحدة. وفى استجابة سريعة بادر مجلس الدولة بإصدار الإعلان رقم (2) لسنة 2021، الذى يحمل فى طياته خطة تنفيذ لأول مرة فى التاريخ القضائى لمجلس الدولة، ويتضمن تنفيذ التوجيه الرئاسى بالموافقة على تعيين عدد من عضوات النيابة الإدارية، وعضوات هيئة قضايا الدولة، بطريق النقل لمجلس الدولة، لشغل وظيفة «مندوب» أو وظيفة «نائب» بالمجلس.

جدير بالذكر أنه خلال تلك العقود الطويلة طالبت النساء بتولى المناصب القضائية فى مجلس الدولة، وقوبلت تلك المطالب بالرفض، وتمثلت أبرز الأحداث التى مر بها المجلس عام 2010 فى رفض الجمعية العمومية لمجلس الدولة المصرى بغالبية ساحقة تعيين المرأة قاضية فى المجلس، رداً على قرار رئيس مجلس الدولة الأسبق محمد الحسينى فتح التعيين للإناث، لتندلع الأزمة داخل المجلس، ويتم وقف القرار بعد تصويت الجمعية العمومية برفضه، انطلاقاً مما نصت عليه المادة 186 من لائحة مجلس الدولة على أنه «لا يجوز اتخاذ أى إجراءات بشأن تعيين أعضاء فى مجلس الدولة على خلاف رأى الجمعية العمومية للمجلس»، وبناء عليه أرجئ القرار لأجل غير مسمى.

أما فيما يخص المحكمة الدستورية، ورغم أن النساء فى مصر قد مارسن العمل فى القانون منذ ثلاثينات القرن العشرين، فإنه لم تُعيَّن سيدة فى وظيفة قاضٍ إلا فى عام 2003 عندما عُيّنت المستشارة تهانى الجبالى، نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، كأول سيدة تجلس على منصة القضاء لتنظر القضايا، وتُصدر الأحكام فيها. وفى ديسمبر 2020 تم تعيين الدكتورة فاطمة الرزاز عميدة كلية الحقوق بجامعة حلوان نائب رئيس المحكمة الدستورية كثانى سيدة تتولى هذا المنصب.

وعلى مستوى النيابة الإدارية، فحسب التقرير الصادر من مرصد المرأة المصرية بعنوان «تقرير متابعة أنشطة الوزارات لعام 2019-2020 لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية»، فقد بلغ عدد السيدات المستشارات بهيئة النيابة الإدارية نحو 1986 من إجمالى 4635 عضواً بهيئة النيابة الإدارية بالدرجات المختلفة بنسبة تتخطى 43%. وقد تولت النساء منصب رئيس هيئة النيابة الإدارية، بالإضافة إلى تعيين ما يقرب من 79 معاوناً للنيابة الإدارية من النساء بموجب القرار 239 لسنة 2020.

وقد اتُخذت بعض الخطوات المضيئة التى تُعدّ انتصاراً للنساء مع إطلاق الرئيس عبدالفتاح السيسى عام المرأة المصرية، فعُيّنت لأول مرة مساعدة لوزير العدل فى شئون المرأة والطفل، علاوة على تعيين 4 قاضيات سكرتارية اللجنة العليا للانتخابات.

وكذا عُيّنت 6 سيدات كنائبات لرئيس هيئة قضايا الدولة عام 2018، «بلغ إجمالى عدد القاضيات فى الهيئة 430 قاضية»، إضافة إلى تعيين أول سيدة رئيسة للمحكمة الاقتصادية فى مصر. وفى عام 2019 عُيّنت فاطمة قنديل أول قاضية مصرية على منصة القضاء بقضايا الجنايات. وفى مارس 2021 عُينت المستشارة إيمان سعودى فى منصب أمين عام مساعد لشئون المرأة والعلاقات الإنسانية، وهى أول مستشارة تتولى هذا المنصب.

هل هناك تقبُّل مجتمعى لتعيين المرأة فى المناصب القضائية؟

على الصعيد النسائى تشير المسوح الميدانية، حسب الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية 2030، إلى أن نسبة النساء اللاتى يتطلعن إلى وصول النساء أمثالهن إلى المناصب القضائية نحو 31%، وعلى الرغم من انخفاض النسبة -التى نجمت عن سنوات من إبعاد وتهميش المرأة من تلك المناصب مما أثر على ثقة النساء أنفسهن فى إمكانية أدائهن لتلك المناصب- فإنها، ورغم ضآلتها، كانت تعكس فجوة كبيرة بين ما هو مأمول من النساء وبين الواقع الذى لا يتعدى 1%.

أما على الصعيد المجتمعى، فتتصل درجة التمكين السياسى للمرأة بصورة مباشرة مع إدراك المواطن ومدى تقبله لتقلدها للمناصب القيادية، وقد أجرى مركز بصيرة مسحاً بشأن إدراك المواطنين لتعيين المرأة فى المناصب القيادية ومنها المناصب القضائية، فأظهر المسح تحسناً ملحوظاً فى إدراك المواطنين لدور المرأة فى الأعوام «2014-2018»، فبلغت اتجاهات المواطنين لتقبل المرأة فى منصب قاضٍ عام 2014 نحو 31%، وازدادت تلك النسبة إلى 42% عام 2018.

أخيراً، تشير تلك النسب إلى التطور الحادث فى الوعى المجتمعى خلال السنوات القليلة الماضية، إلا أن هناك حاجة إلى بذل المزيد من الجهود الخاصة بالتوعية بأهمية مشاركة المرأة فى الواقع السياسى، والتى تعتمد بشكل كبير على تغيير ثقافة المجتمع التى لا تتغير بين ليلة وضحاها، بجانب تمكين المزيد من النساء فى المجال القضائى، حتى يصبحن قادرات على كسب الثقة بأنفسهن أولاً، وكسب ثقة المجتمع على الجانب الآخر.

7010812301664561227.jpg

باحثة بوحدة دراسات المرأة وقضايا الأسرة بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية

 

 

 

جميع الحقوق محفوظة لمصدر الخبر الوطن وتحت مسؤليتة ونرجوا متابعتنا بأستمرار لمعرفة أخر الأخبار علي مدار الساعة مع تحيات موقع موجز نيوز الأخباري

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق اخبار السياسه «السياحة»: زيادة رحلات الطيران الوافدة ومد برنامج التحفيز حتى 29 أكتوبر
التالى اخبار السياسه الساعة كام الآن؟.. تقديم الساعات 60 دقيقة مع تطبيق التوقيت الصيفي