اخبار السياسه «فيلسوف النكتة».. مع جلال عامر لا تبحث عن النكد هو يعرف طريقك

«فيلسوف النكتة».. مع جلال عامر لا تبحث عن النكد هو يعرف طريقك

«كان نفسى أطلع محلل استراتيجى، لكن أهلى ضغطوا علىّ لاستكمال تعليمى، لكننى صعلوك عابر سبيل، ابن الحارة المصرية، ليس لى صاحب، فكما ظهرت فجأة، سوف أختفى فجأة فحاول تفتكرنى».. بهذا القدر من التواضع يقدم الكاتب الساخر جلال عامر نفسه للقراء، وهو تقديم لا يخلو من السخرية أيضاً، كونه أحد أهم الكتاب الساخرين فى مصر والوطن العربى.

ويتفق النقاد على أن الكتابة الساخرة عموماً أحد أصعب أشكال الكتابة فى العموم، لأن القدرة على إضحاك الناس أصعب عشرات المرات من القدرة على استدرار دموعهم، وينتمى «عامر» المولود فى مثل هذا اليوم من عام 1952، إلى نوعية الكتاب المميزين، إذ تميز الراحل بأسلوب جديد فى الكتابة الساخرة يعتمد على الاختزال الشديد والتورية والتداعى الحر للأفكار، فضلاً عن القدرة على الاستحواذ على تلابيب ذهن القارئ وإثارة الدهشة لديه، وبعد قراءة مقال صغير للكاتب الساخر، أو حتى فقرة واحدة، يشعر القارئ بحالة إشباع لعقله وقلبه معاً، وقلّما يجد الجمهور هذه النوعية من الكتابة التى ترضى القلب والعقل.

مرجع ذلك أن «عامر» امتلك زمام أدواته وناصية اللغة العربية والمفردات الخاصة التى نحتها من البيئة المصرية المتداولة فى الحوارى والأزقة والتقطها من أطراف ألسنة الصنايعية والطبقات الاجتماعية المختلفة، بروافدها وتراكماتها الحضارية لتخرج فى صورة مقالات بديعة، تشبه الأعمال النحتية المتفردة، لذلك اقترب منها الجمهور بشكل أوسع فى العمود الصحفى الشهير «تخاريف»، وما زال رواد مواقع التواصل الاجتماعى يعيدون نشر مقتطفات منها رغم مرور ما يزيد على عشر سنوات على كتابتها.

تأثير البيئة على الإنسان مسألة يشير إليها علم النفس، وهو ما يمكن هنا ملاحظته على أسلوب الكاتب جلال عامر المولود فى الإسكندرية، المدينة «الكوزموبوليتية» التى تفاعلت على أراضيها حضارات العالم القديم، فضلاً عن اتساع أفقه ورؤيته الناتج عن ثقافته الموسوعية وخبراته الحياتية المكتسبة من دراسته العسكرية، وخوضه حرب أكتوبر المجيدة فى عام 1973.

كما تمثل مقالات جلال عامر رصداً للتاريخ الاجتماعى والسياسى للمجتمع المصرى ومتناقضاته، وللعلاقات والسياسات العربية والدولية كذلك، فيقول مثلاً فى أحد مقالاته عام 2009، منتقداً الأوضاع السياسية «الإخوان والوطنى هما طرفا مقص هذا الشعب المسكين»، متابعاً: «فمليونيرات مصر نصفهم وطنى ونصفهم إخوان يتحالفون ضد المصريين الذين سلموا إقرار ذمتهم المالية فى موعده وكتبوا فيه إن عندهم حصوة فى الكلى، فالرأس رأس حزب والجسم جسم جماعة محظورة، إذا اشتكت لجنة السياسات تداعى لها مكتب الإرشاد بالسهر والحمى!».

من انتقاد تردى مستوى الغناء قبل رحيله، إلى انتقاد سير العمليات الانتخابية وعزوف المواطنين عن التصويت، فى فقرة واحدة كتب جلال عامر عام 2009: «معظم المطربين الجدد سمعوا عبدالحليم حافظ، وبعد أن درسوه وفحصوه لم يأخذوا منه إلا (البلهارسيا)، بالضبط كما فعلت الحكومة عندما حولت لجنة الانتخابات إلى طائرة فيها صندوق أسود ومضيفون ووجبة غداء لكن دون طيار».

صدر له عدد من الكتب من بينها «مصر على كف عفريت»، و«قصر الكلام» الذى نشرته الأسرة بعد رحيله عن دار الشروق يوم 12 فبراير عام 2012، وهو الكتاب الذى يبدأ برسائل من زوجته وأبنائه إليه، ويتضمن مجموعة من مقالاته الممتعة، كما طرحت كتبه أفكاره التى ترصد وتقارن بين تردى أوضاع المواطن آنذاك واستئثار أبناء الحزب الوطنى والإخوان بالثورة والسلطة، خاصة فى مجلس النواب وقتها.

رشاقة الكلمات وعمق الأفكار هى ما تمنح مقالات جلال عامر صلاحية التداول إلى اليوم، لذلك قامت محافظة الإسكندرية بتكريمه بإطلاق اسمه على شارع بمنطقة «بحرى» بحى الجمرك مسقط رأس الكاتب الكبير الذى فضل العيش طوال عمره فى عروس البحر المتوسط.

جميع الحقوق محفوظة لمصدر الخبر الوطن وتحت مسؤليتة ونرجوا متابعتنا بأستمرار لمعرفة أخر الأخبار علي مدار الساعة مع تحيات موقع موجز نيوز الأخباري

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى