اخبار السياسه وجيه أمين عبدالعزيز يكتب: ماذا لو كان ضحية "الأخطاء الطبية" ليس شخصية عامة؟!

يكون الحديث عن الأخطاء الطبية أكثر صخباً وحدة حين يكون الضحية أحد الشخصيات العامة أو من مشاهير المجتمع، مثل حالات فنانين وإعلاميين سابقين وحاليين.

 ولا شك أن تعاطفنا غير محدود مع الجميع ونتمنى لهم الشفاء العاجل لكن بصراحة، ثمة قناعة منطقية بأن الاهتمام طبياً بالشخصيات العامة يفوق أضعافاً مضاعفة ما يجده المواطن العادي من رعاية، وهذا وإن كان أمر طبيعي ويحدث عادة في غالبية دول العالم، لكنه يجعلنا نتخيل نسبة احتمالات حدوث أخطاء طبية في الحالتين، ويدفعنا لمناقشة هذه الإشكالية بقدر من الشفافية ودون تشنج خصوصاً من طرف الأطباء..

لا أحد يختلف على أهمية ونبل مهنة الطب، وحجم المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتق الأطباء، لكن هناك جوانب مهمة تستلزم التوضيح لتحديد المسؤولية القانونية لكل طرف، خصوصاً في ظل استماتة البعض في الهجوم أو الدفاع دون موضوعية أو أساس قانوني..

بداية، هناك مبدأ عام يحدد مسؤولية أو التزام الطبيب، وهو بذل العناية الواجبة التي تفرضها علية اصول مهنته والقواعد العلمية الثابتة، لعلاج المريض وتحسين حالته الصحية، وذلك بغض النظر عن النتيجة، فالأساس هو تقديم الرعاية اللازمة ووصف العلاج المناسب للشفاء ولا يتحمل مسؤولية النتائج طالما لم يرتكب خطأ تسبب في أي أذى للمريض، سواء كان ناتجاً عن استعمال غير صحيح للأجهزة والأدوات، أو تشخيص خاطئ نجم عنه وصفات طبية وأدوية غير مناسبة، أو إهمال أدى إلى إصابته بعدوى ما، أو غيرها من الأخطاء!

وقانونياً، يمكن تعريف المسؤولية الجنائية عن الأخطاء الطبية بأنها التزام يقضي بتحمل الطبيب الجزاء نتيجة إتيانه فعل أو الامتناع عن فعل يشكل خروجا أو مخالفة للقواعد والأحكام التي قررتها التشريعات الطبية والقانونية، فإذا اقترن عمل الطبيب بخطأ سئل عنه..

 ونص قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937 وتعديلاته في المادة 244 منه على معاقبة كل من تسبب خطأ في جرح شخص أو إيذائه بأن كان ذلك ناشئاً عن إهماله، أو رعونته، أو عدم احترازه، أو عدم مراعاته للقوانين والقرارات واللوائح والأنظمة، بالحبس مدة لا تزيد على سنة وغرامة لا تجاوز مائتي جنيهاً أو بإحدى هاتين العقوبتين، وينطبق ذلك على الإهمال الطبي..

وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنتين وغرامة لا تجاوز ثلاثمائة جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين إذا نشأ عن الإصابة عاهة مستديمة أو إذا وقعت الجريمة نتيجة إخلال الجاني إخلالاً جسيماً بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته.

كما أيدت المحكمة الإدارية العليا في واقعة سابقة، قرار نقابة الأطباء بعزل أحد الأطباء من وظيفته لارتكابه خطأ مهني جسيم، وذلك بعد اطمئنانها إلى مسؤوليته، مشيرة في المقابل إلى أن التشريعات الوضعية تعهد إلى الأطباء مباشرة أكثر المهن قدسية،  وأحاطتها بكثير من القواعد والإجراءات والأصول العلمية والطبية والقانونية اللازمة للحفاظ على حياة المرضى كما تكفل لهم الاستقرار والسكنية في مباشرة عملهم، طالما يؤدونها بدقة وأمانة.

وأكدت أن الطبيب ليس ملتزماً بنتيجة، وإنما منوط به بذل عناية الرجل الحريص الذي يتعين عليه اتخاذ كافة الاحتياطات اللازمة لحماية لمريض أثناء الجراحة، طبقاً للأسس العلمية المتعارف عليها والمسلم بها، فنياً وطبياً حسبما يقتضي علم الطب في مثل العملية الجراحية التي يتم إجرائها وإجراء كافة الفحوصات اللازمة قبل إجراء العملية.

وهكذا حرص المشرع على حماية الأطباء، وراعى حساسية مهنتهم وقدسيتها، لكن بشرط التزامهم بواجبات وقواعد هذه المهنة، فكما يجد الطبيب كل تقدير واحترام، يفترض به تحري الدقة والحذر وأرى أن هناك حاجة ملحة لسن قانون خاص بـ"المسؤولية الطبية" يحدد حقوق المرضي ونطاق مسؤولية الأطباء عن الأخطاء المهنية إذ أنه من غير المنطقي أن يطبق حتى الآن قانون تم وضعه عام 1937 أي منذ قرابة 84 عاماً!

ولا شك أن هذا القانون من شأنه أن يردع القلة التي تحول هذه المهنة النبيلة إلى تجارة، وتسيء إلى الأكثرية الملتزمة، سواء بتغليظ العقوبات أو تفصيل التجاوزات التي يجب المحاسبة عليها جزائياً وإدارياً، حتى يتحمل كل شخص مسؤولية أفعاله..

وأرى أن من الضروري كذلك أن يتم يجب إلزام كل عيادة ومرفق طبي بالتأمين ضد الأخطاء المهنية كما هو معمول به في العديد من دول العالم، لضمان حصول المريض على تعويض مناسب حسب قدر الأذى أو الضرر الذي تعرض له نتيجة هذا الخطأ، وأتمنى أخيراً التوفيق والسداد لكل أطبائنا في أداء دورهم العظيم ..