لماذا يتذكر السعوديون هذا الفنان رغم رحيله منذ 35 عاما؟

لماذا يتذكر السعوديون هذا الفنان رغم رحيله منذ 35 عاما؟

مطلق الذيابي (1927 - 1982) فارس الأغنية السعودية وعرابها في المرحلة الأهم للتشكل والصعود وانتزاع الاعتراف الشعبي، رسم شيئا من ملامحها في البدايات، عندما غنى أول مرة شعر من حوله بأنه يناغي ترانيم حادي العيس أو يستلهم نغمة شاردة من ربابة بدوي، كان الذيابي أديباً يكتب الشعر المحكي والفصيح، ومطرباً يأسرك بشدوه ومذيعاً جهورياً يشد السمع ويسترعي الانتباه، في فياض صوته الرخيم ينبت النفل والشيح والقيصوم ويعزف الراعي نايه.

والده "مخلد" يحظى بمكانة عشائرية، ورفعاً للحرج الذي انتاب والده من دخوله الوسط الفني آنذاك، فقد سمى نفسه "سمير الوادي" وهو الاسم الفني الذي اشتهر به.

الفنان مطلق الذيابي مع الموسيقار محمد عبدالوهاب

ميز مطلق الذيابي المولود في عمّان بالأردن أنه درس الموسيقى مبكراً ولم يستكن أو يركن إلى نجاحه كفنان شعبي ذو حظوة، بل كان طموحه بناء هوية وقيمة للأغنية المحلية ينطلق منها لتحقيق ذاته ومبتغاه عربياً، مدعوماً بكاريزما وعوامل في شخصية مطلق المذيع والشاعر والملحن المثقف.

يقول ضياء كردي الذي عاصر بدايات الفنانين السعوديين عندما كان يعمل في إذاعة جدة في حديثه لـ"العربية.نت": "كان مطلق الذيابي الشهير بـ"سمير الوادي" فناناً حقيقياً واستثنائياً لا يمل حديثه ويتمتع بشخصية كانت قريبة ومحببة إلى الكل دون استثناء". وأضاف: "لم يكن مطلق مطرباً فحسب بل كان قامة وموسوعة في الأدب والفن ويستحق من الإعلام الإشارة إلى جهوده على الصعيدين الفني والثقافي وسبق له أن تولى رئاسة القسم الموسيقي في الإذاعة وحرص على دعم الفنانين وتقديم يد العون لهم في البدايات".

مطلق بحسب مجايليه من رجال الفكر والثقافة كان ذو شخصية استثنائية وقال عنه الأديب الراحل طاهر زمخشري ذات يوم:

"شاعري له الموازين أوتار .. ومن رجعه تضيء النجـوم.. وبأفكارك الشوارد يجـري ...وهو فيض نوالـه تكريـم… بلسان يرقرق القول شدواً... و(كمان) به تشافت كلوم".

كان الذيابي رغم انفتاحه على أكثر من ثقافة ورغم الموجات التي بدأت تدب في شرايين المجتمعات التي عايشها آنذاك إلا أنه ملهماً بالصحراء لا ينعتق عنها ربط البدو آنذاك بالإذاعة بعد أن قدم برنامجه الشهير "من البادية"، وكانت أغنيته الشهيرة "يالله أنا طالبك" للشاعر فراج بن ريفه القحطاني عنواناً وثيمة خالدة للبرامج والمهرجانات الشعبية، وله ريادة في البرامج المنوعة التي تهادت عبر الأثير مثل " ألحان من الجزيرة العربية" و"عالم الأدب"، و"ثمرات الأوراق" وبلغت البرامج التي أعدها وقدمها الذيابي 40 برنامجاً.

إضافة إلى الحضور عبر الإذاعة كان أحد الأسماء المؤثرة في مجلس إدارة نادي جدة الأدبي مطلع الثمانينات الذي قام على نخبة من الأسماء المضيئة والمؤثرة في المشهد الثقافي السعودي، وكتب الدكتور عبدالله الغذامي عبر حسابه في "تويتر" مغرداً: "سعدت بالتزامل مع مطلق الذيابي في نادي جدة الأدبي وفي الانتخابات حصد أعلى نسبة في التصويت كم كان كبيراً وراقياً ورفيع الأخلاق".

وهو كفنان متأثر جداً بتجربة موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب الذي التقاه أكثر من مرة وقال في معرض حديثه عن الأغنية السعودية: "لو حبيت أن ألحن للحنت للأستاذ مطلق؛ يعني أنا أتلذ ألحن للأستاذ مطلق"، لماذا مطلق تحديداً؟!.. أجاب عبدالوهاب: "صوته فيه حرارة، وفيه نبرة جديدة، وصوته يمكن يكون أقرب الأصوات لنا إحنا، يعني ألفاظه ألفاظ سليمة.. انطلاق الكلمة انطلاقة فصيحة مش معوجّة انطلاقة أحبها وأحسها وأفهمها، ونبراته فيها نبرات جديدة وصوته فيه رجولة وسُخن".

تعاون وقدم أعماله عدد من الفنانين منهم وديع الصافي وطلال مداح، محرم فؤاد، هيام يونس، فهد بلان وابتسام لطفي، غنى الفنان محمد عبده أغنية الذيابي التي كتبها ولحنها "سكبت دموع عيني" التي يقول مطلعها:

سكبت دموع عيني من عذابي
على خلٍ نساني ما درى بي
سهرت الليل أشكو طول بعده
وأعزي الروح من هم لجى بي

حدث بين الرائدين الذيابي والموسيقار طارق عبدالحكيم سجال إعلامي شهير حول أغنية "تعلق قلبي" التي اشتهرت بصوت طلال مداح، وكتب حينها الذيابي مقالا في صحيفة الجزيرة بعنوان "حصاني مسرج لكن الطريدة هزيلة"، وغنى الذيابي "نحلم" من كلمات غازي القصيبي.

تحتفظ المكتبة العربية بديوانين له هما "أطياف العذارى" و"غناء الشادي" وكتاب "ذخائر الذيابي في الفكر الإسلامي والثقافة والأدب والفنون".

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى