الاقتصاد غير الرسمي.. هل تنجح الدولة في احتوائه؟

الاقتصاد غير الرسمي.. هل تنجح الدولة في احتوائه؟
الاقتصاد غير الرسمي.. هل تنجح الدولة في احتوائه؟

[real_title] تشهد الفترة الراهنة تحركات تبدو جادة وسريعة فيما يخص دمج الاقتصاد غير الرسمي في الحياة الاقتصادية الرسمية لمصر، حيث كشف مسؤولون بارزون في وزارة المالية المصرية، خلال تصريحات صحفية أن بعثة صندوق النقد الدولي إلى مصر بدأت بمراجعة تقارير أداء الاقتصاد المصري خلال زيارتها لمصر من 6 إلى 20 مايو، بما فيها خطة الدولة المصرية لدمج الاقتصاد غير الرسمي في المنظومة الرسمية للاقتصاد المصري.

 

كما أعلن وزير المالية المصري محمّد معيط خلال مؤتمر صحفي في مقر وزارة المالية، أن الحكومة المصرية انتهت من صياغة مشروع قانون ينظم عمل المشروعات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر بشكل يضمن ضمّ الاقتصاد غير الرسمي إلى المنظومة الاقتصاديّة الرسميّة لمصر.

 

وكشف مصدر مطّلع في وزارة الماليّة، مفضّلاً عدم ذكر اسمه، في حديث لـ"المونيتور" أنّ الحكومة المصريّة ستعرض مشروع القانون على مجلس النوّاب في أقرب فرصة لتتسنّى له فرصة مناقشته وإقراره سواء كما هو أو بعد تعديله، رافضًا الكشف عن تفاصيل القانون.

 

والاقتصاد غير الرسميّ هو كلّ الأنشطة أو المشروعات الاقتصاديّة التي تمارس وتتأسّس من دون إشراف أو ضبط الدولة لها، وفقاً للقوانين المتّبعة ومن دون إدراج ما تدرّه من أرباح في إجماليّ الناتج المحلي للدولة.

 

وبهذا، لا تخضع تلك المشروعات، وأغلبها من الصغيرة والمتوسّطة والمتناهية الصغر، للإشراف العام على الجودة أو للإشراف الضريبيّ، وينتشر هذا الاقتصاد بشكل أكبر في الدول النامية مثل مصر، ومن أشهر أشكاله في مصر: المطاعم وعربات الطعام والباعة المتجوّلون وبعض المتاجر في الأسواق العشوائيّة، وكذلك بعض المصانع والعقارات غير المرخّصة.

 

وتتباين التقديرات حول حجم ذلك الاقتصاد ونسبته إلى الاقتصاد الرسميّ، إذ قال نائب رئيس اتحاد الصناعات المصريّة طارق توفيق، خلال مؤتمر صحفي سابق: إن الاقتصاد غير الرسمي يمثل 50 في المئة من إجمالي الاقتصاد المصري.

 

فيما قال رئيس مجلس الوزراء المصري السابق شريف إسماعيل خلال مؤتمر صحفي عقد في نوفمبر من عام 2017: إن حجم الاقتصاد غير الرسميّ يبلغ 1.8 تريليون جنيه، أيّ حوالى 22 % من إجماليّ حجم الاقتصاد المصريّ البالغ 8.2 تريليون جنيه.

 

وتولي الدولة اهتمامًا خاصًّا بقضيّة دمج مشروعات الاقتصاد غير الرسميّ في المنظومة الاقتصاديّة الرسميّة، ويبدو الاهتمام آتياً من أعلى مستويات اتّخاذ القرار أيّ من رئيس الجمهورية ذاته، إذ دعا الرئيس عبد الفتّاح السيسي، في 16 مايو من عام 2018، المنتمين إلى الاقتصاد غير الرسميّ للانضمام إلى الاقتصاد الرسميّ بتقنين أوضاعهم، مقابل الإعفاء من كلّ الضرائب والرسوم لمدّة 5 سنوات.

 

وفسّر الخبير الاقتصاديّ والمستشار الماليّ لعدد من المؤسّسات الاستثماريّة الكبرى وائل النحّاس اهتمام الدولة الشديد بدمج الاقتصاد غير الرسميّ لـ"المونيتور"، قائلاً: إنّ الدولة تسعى إلى ذلك بهدف زيادة حصيلتها الضريبيّة، إذ أنّ المنتجات التي تبيعها المؤسّسات خارج الاقتصاد الرسميّ ستطبّق عليها ضريبة القيمة المضافة، وهي غير مطبّقة عليها حاليّاً خارج إطار الاقتصاد الرسميّ، إضافة إلى تطبيق ضرائب الأرباح على المشروعات المنتمية إلى الاقتصاد غير الرسميّ، في حالة دمجها بالاقتصاد الرسميّ بعد انتهاء الإعفاء الذي تحدّث عنه عبد الفتّاح السيسي.

 

وقال ح.م (43 سنة)، وهو بائع ملابس متجوّل في منطقة السيّدة زينب في القاهرة، لـ"المونيتور": "نعلم أنّ الدولة تحاول دمج مشروعاتنا في الاقتصاد القانونيّ للحصول على مزيد من الضرائب، وهذا الأمر نرفضه تماماً لأنّ الضرائب ستقتطع من أرباحنا. كما ستضطرّنا إلى زيادة أسعار منتجاتنا على الزبائن، وهو أمر لا يتناسب مع طبيعة بعض المناطق الشعبيّة مثل منطقة السيّدة زينب لأنّ المقيمين فيها بغالبيّتهم من البسطاء ومحدودي الدخل، ويجب على الدولة أن تعي أنّ منتجات الباعة المتجوّلين ذات السعر البسيط هي التي تصنع التوازن في مواجهة موجات الغلاء التي تتسبّب فيها الدولة بزيادة أسعار الوقود سنويّاً".

 

أمّا كمال أمين، وهو صاحب إحدى عربات الطعام في منطقة الأميريّة في القاهرة، إحدى المناطق الشعبيّة أيضاً، فكان له رأي آخر، إذ أشار في حديث لـ"المونيتور" إلى أنّه يفضّل الاندماج في الاقتصاد الرسميّ، إلاّ أنّ الدولة لا تمنح التراخيص إلاّ للمطاعم، وليس لعربات الطعام. ولفت إلى أنّه لا يملك من المال ما يسمح له بشراء أو استئجار مطعم.

 

وعن أسباب تفضيله الاندماج في الاقتصاد الرسميّ، أعلن أنّه يتعرّض للعديد من الملاحقات القانونيّة لأنّه لا يملك التصاريح الرسميّة المطلوبة للعمل، الأمر الذي يكلّفه مبالغ ضخمة شهريّاً أكبر من الضرائب للتصالح في مثل تلك المخالفات.

 

وتعليقاً على ما سبق، قال الخبير الاقتصاديّ ورئيس منتدى الدراسات الاستراتيجيّة والاقتصاديّة في القاهرة رشاد عبده لـ"المونيتور": إنّ الهدف من دمج الاقتصاد غير الرسميّ في المنظومة الاقتصاديّة الرسميّة، ليس فقط زيادة الحصيلة الضريبيّة، بل إنّ هناك أهدافاً أخرى، وهي إخضاع الأنشطة الاقتصاديّة المختلفة لإشراف الجهات المختصّة بحسب نوع النشاط، مثل إخضاع عربات الطعام لإشراف وزارة الصحّة للتأكّد من صلاحيّة الأطعمة للاستهلاك الآدمي.

 

كما أشار إلى أنّ هناك هدفاً آخر، وهو الوقوف على الحالة الاقتصاديّة للاقتصاد المصريّ بمعنى الوقوف على اجمالي الناتج المحلي الحقيقيّ ونصيب الفرد منه، الأمر الذي يترتّب عليه الفهم الحقيقيّ لمعدّلات الفقر والبطالة وخريطة تركّزها في مصر، الأمر الذي يساعد الدولة في تقديم الخطط المناسبة لمكافحتها، لافتاً إلى أنّه لن يتسنّى للدولة فعل ذلك، طالما بقيت غير قادرة على تقدير نسبة كبرى من اقتصادها وناتجها المحلي المتمثلة في الاقتصاد غير الرسمي.

 

وعن المعوقات التي تواجه دمج الاقتصاد غير الرسميّ في المنظومة الرسميّة لمصر، قال: إنّ محاولات تقنين الاقتصاد غير الرسميّ قديمة بدأت منذ عهد الرئيس محمّد حسني مبارك، إلاّ أنّها كانت تواجه الفشل لسببين أساسيّين: الأوّل هو التخاذل في تطبيق القانون على أصحاب المشروعات غير الرسميّة، غير المقنّنة أوضاعها، بسبب قدرة أصحاب تلك المشروعات على تقديم الرشاوى إلى بعض المسؤولين التنفيذيّين للإفلات من تطبيق القوانين عليهم، والثاني هو عدم وجود حافز لدى أصحاب تلك المشروعات للانضمام إلى منظومة الاقتصاد الرسمي.

 

وختم: إن نجاح خطط الدولة في دمج الاقتصاد غير الرسميّ سيعتمد على مدى تطبيق القوانين بصرامة على الممتنعين عن توفيق أوضاعهم وعلى تشجيعهم في الآن ذاته على تقنين أوضاعهم من خلال الإعفاءات الضريبيّة والجمركيّة وتسهيلات الحصول على قروض المشروعات الصغيرة والمتوسّطة لتطوير مشروعاتهم.

النص الأصلي

جميع الحقوق محفوظة لمصدر الخبر مصر العربية وتحت مسؤليتة ونرجوا متابعتنا بأستمرار لمعرفة أخر الأخبار علي مدار الساعة مع تحيات موقع موجز نيوز الأخباري

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى