المرأة كالحلوى المكشوفة

المرأة كالحلوى المكشوفة
المرأة كالحلوى المكشوفة

المرأة كالحلوى المكشوفة

كيف جاء على بال الداعية أن يشبه المرأة التي تكشف عن وجهها بالحلوى المكشوفة. صورة الحلوى المكشوفة التي يجتاحها الذباب تحتاج إلى تجربة ومشاهدة أو خيال جامح. القصص التي يكيلها جماعات الصحوة لدعم إيديولوجيتهم كانت تتسم بالسذاجة والبساطة. تفتقر إلى أبسط درجات التخيل والإبداع. لا يمكن لأي من دعاة الصحوة أن يصل بخياله إلى هذا المستوى من الهجاء. الجيل الجديد لا يعرف أن هناك حلوى مكشوفة عرضة للذباب. حلوى الجيل الجديد من سويسرا وفرنسا تقدم مغطاة بالزجاج والفخار الفاخر والكرتون المزخرف. الذباب نفسه اختفى من الرياض ومن كل الحواضر السعودية منذ زمن بعيد.

من الواضح أن جيلاً من رياض السبعينيات والستينيات أسهم في إنتاج هذا التشبيه. التقطه جيل الصحوة الجديد ووظفه بطريقة ماكرة.

كانت وسائل البيع في الرياض القديمة متعددة. المعارض العامة والدكاكين المتميزة تصادفك في الديرة أو شارع الوزير وشارع الثميري والبطحاء.. إلخ. يليها ما يسمى البقالات التي تقع متفرقة على الشوارع الرئيسية كالعطايف والسويلم وشارع الشميسي القديم والجديد.. إلخ. وأخيراً ثمة دكاكين داخل الحارات. أن يقتطع أحدهم جزءاً صغيراً من بيته الطيني ويفتحه على الخارج. يضع على حيطانه رفين أو ثلاثة مع ثلاجة تفتح من الأعلى. يتم تبريدها بقوالب الثلج. يقدم بضائع بسيطة ومتواضعة. علبة كبريت (شخاط) قارورة ببسي كندا دراي أو كسرة ثلج.. إلخ.

إلى جانب المبيعات الثابتة ثمة باعة متجولون. بائع الكاز، عبارة عن برميل يجره حمار يجرهما إنسان، وبائع الأقمشة (فرقنا) ينسف بقشته المليئة بالأقمشة على كتفه وبائع الهريسة يضع تبسي البسبوسة الكبير على رأسه. هؤلاء وغيرهم يجوبون الحارات، ينادون على بضائعهم. معظم زبائنهم من الأطفال وربات البيوت. أتذكر أن معظم بائعي الأقمشة من الحضارم، وبائعي البسبوسة (الهريسة) يمنيون وموزعي القاز لا أتذكر ربما كانوا من الأحساء.

لكي نشاهد المصدر الذي أخذ منه داعية الصحوة تشبيه المرأة بالحلوى المكشوفة المعرضة للذباب يتطلب الأمر إعادة تمثيل واقع ذلك الزمن. أثناء سيرك في السكة في عز الظهر ستظن أنك وحدك. فجأة وفي لحظة خاطفة تنهض مئات الألوف من الذباب من على كومة قمامة وتحلق في أسراب هائلة مهيبة تكاد تغطيك وتغطي معك قرص الشمس. لا يمكن لجيل اليوم أن يدرك هذا الحضور المشترك بين الإنسان وهذه الحشرة. كان الذباب بصحبة عدد آخر من الحشرات كالصراصير والضواطير والسحالي وخشاش الأرض تعيش جنباً إلى جنب مع بني البشر في البيوت وفي السكيك وفي أي مكان يتوفر فيه ثقوب ورطوبة وبقايا أطعمة ومخلفات.

لتعرف المكر في تشبيه المرأة بالحلوى المكشوفة تخيل هذا العدد الهائل من الذباب يحوم في اللحظة التي ترفع فيها أنامل اليماني قطعة القماش الأنيقة عن صحن بسبوسته.
 

*نقلا عن الرياض

** جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى