[real_title] خطت الحكومة الفرنسية خطوة جديدة في سياستها التي يرى البعض أنها تقود إلى وصم المسلمين في فرنسا بالإرهاب والتطرف، مستهدفة هذه المرة الأكاديميين المعروفين بالتعاطف مع المسلمين وحالة التهميش والاستهداف التي يتعرضون لها، وذلك بعد أيام من إقرار البرلمان في قراءة أولى لقانون الانفصالية الذي يرى مراقبون أنه يستهدف بالأساس التجمعات الإسلامية. وأثارت وزيرة التعليم العالي في فرنسا فريديريك فيدال موجة انتقادات من رؤساء الجامعات بعد تحذيرها من انتشار "اليسار الإسلامي" في المؤسسات الأكاديمية الفرنسية. ومصطلح "اليسار الإسلامي" غالباً ما يستخدم في فرنسا من قبل اليمين المتطرّف لتشويه سمعة خصومهم اليساريين المتّهمين بالتغاضي عن مخاطر التطرّف الاسلامي والإفراط في الخشية من قضايا العنصرية والهوية. وقالت فيدال لقناة "سي نيوز" التلفزيونية "أعتقد أنّ اليسار الإسلامي ينخر مجتمعنا بأكمله، والجامعات ليست محصّنة وهي جزء من المجتمع". وردّا على تعليقات فيدال، أصدر "مؤتمر رؤساء الجامعات" بياناً الثلاثاء أعرب فيه عن "صدمته إزاء نقاش عقيم آخر حول قضية "اليسار الاسلامي" في الجامعات". وأدان المؤتمر الذي يمثل رؤساء الجامعات الفرنسية استخدام هذه التسمية المعرّفة بشكل مبهم، قائلًا إنه يجب تركها لليمين المتطرّف "الذي أشاعها". http://www.youtube.com/embed/mrULEC9t_mo صعود يميني وتصريحات فيدال حول اليسار الإسلامي ليست عزفا منفردا، ففي أكتوبر الماضي، حذّر وزير التربية جان ميشال بلانكيه أيضاً من أنّ "الإسلام اليساري" يثير "الفوضى" في المؤسسات الاكاديمية الفرنسية. وتأتي هذه التعليقات وسط نقاش محتدم مثير للانقسام في فرنسا بشأن ما وصفه الرئيس ايمانويل ماكرون ب"الانفصالية الإسلامية"، في إشارة إلى ما يقال عن انتهاك المسلمين للقوانين الفرنسية في المجتمعات الإسلامية المغلقة والتحريض على الهجمات الارهابية داخل الأراضي الفرنسية. ووافق البرلمان الفرنسي الثلاثاء على مشروع قانون متشدّد يسمح لسلطات الدولة بحظر الجماعات الدينية التي تعتبرها متطرّفة. وكان منتقدون قد اتّهموا ماكرون مؤخراً بالميل الى اليمين المتطرف قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في العام المقبل. وتظهر استطلاعات الرأي أنه من المرجح أن تكون انتخابات 2022 إعادة لسباق عام 2017 مع مارين لوبن، زعيمة حزب الجبهة الوطنية المناهض للهجرة. وتسبّب وزير الداخلية جيرالد دارمانان بحالة من عدم الارتياح داخل الحزب الوسطي الحاكم الخميس الماضي بعد اتّهامه لوبن بـ"الليونة" تجاه الإسلام خلال نقاش تلفزيوني. تضييق أكاديمي وفي سياق متصل، أعلنت وزيرة التعليم العالي فريديريك فيدال أنها ستأمر بإجراء تحقيق في مشكلة الباحثين "الذين ينظرون إلى كل شيء من منظور السعي لإثارة التصدّع والانقسام"، والتي تشمل على حدّ قولها أولئك الذين يركّزون على قضايا الاستعمار والعرق. و يأتي ذلك بعدما تطرّق كلّ من ماكرون ووزير التعليم بلانكيه لمخاطر التركيز على العرق والتمييز العنصري الذي يريان أنه يعزّز الانقسامات ويقوّض المثل العليا المؤسسة للمجتمع الموحد في فرنسا. لكن المتحدث باسم الحكومة غابرييل أتال نأى بنفسه عن هذه الفكرة الأربعاء عندما سئل خلال مؤتمر صحفي عن وجهة نظر ماكرون من هذه القضية. وقال أتال إنّ الرئيس لديه "التزام مطلق باستقلال الباحثين الأكاديميين"، مضيفاً أنّ هذا يُعدّ "ضمانة أساسية لجمهوريتنا". وأثارت الحركات المناهضة للعنصرية مثل "حياة السود تهمّ" التي انطلقت في الولايات المتحدة وتردّد صداها في فرنسا مخاوف من استيراد فرنسا لسياسات الهوية والعنصرية الأمريكية. وهناك أيضاً جيل جديد من الناشطين الفرنسيين الشبّان الذين يرفعون الصوت حول مشكلة العنصرية في فرنسا والإرث الاستعماري للبلاد في أفريقيا والشرق الأوسط. من جانبها أدانت مامي فاتو نيانغ الاكاديمية ذات البشرة السمراء التي تدرس العرق والهوية في فرنسا مقترح فيدال بإجراء تحقيق، قائلة إنه سيضع أولئك الذين يبحثون في مسائل الاستعمار والعنصرية تحت رقابة غير منصفة. وكتبت على تويتر أنّ "الباحثين من الأقليات اعتُبروا نشطاء على مرّ العصور". لكنّ إعلان فيدال قوبل بترحيب من السياسيين اليمينيين الذين يشاركون الوزيرة مخاوفها. وكان عدد من نواب حزب الجمهوريين اليميني قد طالبوا في نوفمبر بفتح تحقيق برلماني بشأن ما وصفوه بـ"التجاوزات الفكرية والعقائدية في الجامعات". http://www.youtube.com/embed/ftV2Q_BfmtA قانون الانفصالية وكان البرلمان الفرنسي قد أقر، يوم الثلاثاء، في قراءة أولى على مشروع قانون مكافحة "الانفصاليّة" المثير للجدل والذي يعتبر منتقدوه أنّه يستهدف المسلمين وليس أعداء الجمهوريّة، فيما يرى مؤيدوه أنه "يعزّز المبادئ الجمهورية". وأُعدّ مشروع القانون بدفع من الرئيس إيمانويل ماكرون إثر الصدمة التي خلّفتها سلسلة اعتداءات إرهابية، بدءاً من الهجوم على أسبوعية شارلي إيبدو الساخرة في يناير 2015 وصولاً إلى قطع رأس الأستاذ سامويل باتي في أكتوبر الماضي. ويتضمن مشروع القانون حوالى 50 بنداً، أبرزها التشدد في فرض قيود على ما يتم نشره عبر الإنترنت من خطابات تتصف بطابع الكراهية، فضلاً عن حظر المدارس "السرية" التي تروج لـ"أيديولوجيا متطرفة" مع فرض قيود على التعليم في المنازل. ويشدد القانون على شروط الشفافية المالية للجمعيات الإسلامية، بما فيها ضرورة قبول هذه الجمعيات لـ"قيم الجمهورية الفرنسية" قبل حصولها على أي تمويل، فضلاً عن تغريم الأطباء في حال أجروا اختبارات كشف عذرية للفتيات، ورفض منح الإقامة للمرتبطين بأكثر من زوجة. معارضة إسلامية لكنّ معارضي مشروع القانون باختلاف مشاربهم يرون أنّه يقيّد الحريّات ويقدّم رؤية ضيّقة للعلمانية وأنّ بعض فصوله مكرّرة وموجودة في قوانين نافذة. وشهدت الجمعيّة الوطنيّة جدلاً حادّاً حول فصل يتعلّق بالتعليم في المنزل الذي يهمّ اليوم نحو 62 ألف طفل في فرنسا. وأبدت قيادات مسلمة في فرنسا تحفظات على مشروع القانون، وقال إمام مسجد مدينة ليون الفرنسية، كامل قبطان، إنه "لا ثقة لدي، مفهوم الانفصالية مزعج للغاية، من الذي ينفصل، نحن نسعى إلى الإندماج، هناك عواقب لقانون يتناول الإكراه أكثر من الدمج". كما شدد رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، محمد الموسوي، على "عدم اتخاذ أحكام مسبقة بحق المسلمين وخلط الدين بالسياسة، في وقت نلتزم فيه بقوانين الجمهورية". وحذّر إمام الجامع الكبير في باريس، المحامي شمس الدين حافظ، من أنّ "قانون الانفصالية قد يكون مجرد مسألة انتخابية"، مشدداً على أنّ "المسلمين لا يريدون أن يكونوا رهائن لوضع الأقلية الواقعة في فخ الطائفية والمنعزلة"، بحسب صحيفة "لوفيجارو".