بعد 10 سنوات ثورة.. ليبيا من جنون «العقيد» إلى هوس «المشير»

بعد 10 سنوات ثورة.. ليبيا من جنون «العقيد» إلى هوس «المشير»
بعد 10 سنوات ثورة.. ليبيا من جنون «العقيد» إلى هوس «المشير»

[real_title] دفع الليبيون خلال السنوات العشر الأخيرة فاتورة باهظة للغاية، بعدما انحدرت البلاد إلى ما يشبه الحرب الأهلية بين فصائل متناحرة تخوض حربا بالوكالة عن قوى إقليمية ودولية متصارعة، فيما جاء هجوم قوات المشير خليفة حفتر على العاصمة طرابلس قبل أكثر من عامين ليجدد المخاوف من عودة ديكتاتورية ودموية العقيد معمر القذافي الذي اكتوت ليبيا بشدة بسبب نزواته وتقلباته الشخصية الحادة.

 

وبعد عشرة أعوام على الثورة التي أطاحت بحكم القذافي، واندلعت شرارتها في فبراير 2011، لا تزال البلاد غارقة في فوضى سياسية وأمنية تفاقمها التدخلات الخارجية وتحرم الليبيين المنهكين من ثروات بلادهم الهائلة.

 

وبعد سنوات من الحروب والأزمات وانسداد الأفق، تحقّق في الأشهر الماضية تقدم سياسي "ملموس"، وفق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش تمثل بحوار ليبي ليبي في سويسرا والمغرب وتونس ومصر، أثمر الأسبوع الماضي عن اختيار رئيس حكومة ومجلس رئاسي جديد، وترافق مع انتعاش إنتاج قطاع النفط الحيوي للاقتصاد الليبي.

 

تحديات ضخمة

ولا تزال ليبيا تواجه تحديات كبيرة بعد 42 عاما من حكم دكتاتوري ونزاعات عنيفة معقدة منذ التدخل العسكري الدولي الذي قاده حلف شمال الأطلسي في مارس 2011 حتى أكتوبر من العام نفسه مع مقتل القذافي قرب مسقط رأسه في مدينة سرت على الساحل الشرقي.

 

وقد خلّف كل ذلك بنى تحتية مدمرة في بلد تتحكم به الميليشيات وينتشر فيه المرتزقة ويسوده الفساد. ويرى الخبير في منظمة "المبادرة العالمة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية" عماد الدين بادي أن الوضع استقر ظاهريا، "لكن الزخم الدبلوماسي نتيجة تحفظ مؤقت عن القتال وليس نتاج رغبة صادقة للتوصل إلى حلّ".

 

ويضيف "بعد عشر سنوات على الثورة، ليبيا دولة مشوهة أكثر مما كانت في عهد القذافي". ويوجد في البلاد اليوم عشرات آلاف النازحين، بينما غادر البلاد مجددا عدد كبير من المهاجرين الذين كانوا عادوا اليها للمشاركة في إعادة الإعمار.

انقسام واقتتال

ويعيش نحو سبعة ملايين شخص في البلد الشاسع الذي يشهد بعد عشرة أعوام من انطلاق انتفاضته من بنغازي في سياق ثورات "الربيع العربي" تنافسا بين معسكرين: حكومة الوفاق الوطني التي تشكلت إثر حوار برعاية الأمم المتحدة عام 2016 وتتخذ من طرابلس مقرا، وسلطة في شرق البلاد يجسدها المشير خليفة حفتر.

 

وتتلقى حكومة الوفاق الوطني دعما من تركيا، فيما تدعم الإمارات وروسيا معسكر الشرق. ومنذ فشل هجوم شنته قوات حفتر للسيطرة على طرابلس العام الماضي بعد أشهر طويلة من القتال على أطراف العاصمة، تسارعت مبادرات الوساطة لتسوية النزاع.

 

وتم توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية الأمم المتحدة في الخريف الماضي، وهو لا يزال ساريا على عكس اتفاقات سابقة اُنتهكت سريعا. لكن لا يزال آلاف من المرتزقة والمقاتلين الأجانب موجودين في البلاد، رغم أن الاتفاق نصّ على ضرورة مغادرتهم بحلول 23 يناير الماضي.

 

وطالبت الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة الرئيس جو بايدن بمغادرة القوات الروسية والتركية ليبيا فورا. وعُيّن مؤخرا يان كوبيش مبعوثا جديدا للأمم المتحدة الى ليبيا.

وأثمرت المحادثات بين الليبيين اتفاقا حول تنظيم انتخابات في ديسمبر المقبل. ويفترض أن تشرف الهيئة التنفيذية التي انتخبت أخيرا وأبرز أركانها رئيس الحكومة المكلف عبد الحميد محمد دبيبة، ومحمد يونس المنفي رئيسا للمجلس الرئاسي، على المرحلة الانتقالية التي يفترض أن تقود الى انتخابات ديموقراطية.

مكاسب هشة

رغم ذلك، ترى "مجموعة الأزمات الدولية" أن ما تحقق لا يعدو أن يكون "مكاسب هشّة"، لأنه "لا يزال هناك العديد من الخطوات التي يتعين اتخاذها قبل تشكيل حكومة الوحدة المؤقتة". ويؤكد الباحث جلال حرشاوي أن الوضع يبقى هشّا، فقد "تراجع عدد القتلى الليبيين، لكن هل تحقق تقدم على المستوى السياسي؟ هل زال الخطر؟ على الإطلاق". ويضيف حرشاوي أن الليبيين "مستاؤون للغاية ويعانون كثيرا من كوفيد (...). النخب لا تبالي بمعاناة الشعب".

 

في طرابلس، ما زال الليبيون يعانون من نقص السيولة النقدية وضعف الإمداد بالوقود والكهرباء والتضخم المالي. في هذا الصدد، يعتبر عماد الدين بادي أن الليبيين "يفقّرون تدريجيا". في بنغازي، توجه اتهامات الى قوات حفتر بتركيز سلطة مستبدة في شرق البلاد.

 

وتلى الإطاحة بالقذافي في فبراير 2011 تفكيك الأجهزة الأمنية. وكانت العاصمة حتى وقت قريب مضى تحت هيمنة عشرات المجموعات المسلحة المحلية التي تغيّر ولاءها باستمرار. لكنها صارت أقل بروزا مع تزايد حضور قوات الأمن. وطال العنف كذلك قطاع النفط في بلد يحوي أكبر احتياطي من الذهب الأسود في إفريقيا، ووصل الأمر إلى استعماله كورقة مقايضة.

 

فقد عطّل موالون لحفتر العام الماضي الموانئ النفطية الأساسية وسط البلاد، وطالبوا بتوزيع أكثر عدلا لموارد المحروقات التي يديرها خصومهم في طرابلس. لكنهم تراجعوا أخيرا عن استعمال النفط كورقة سياسية. ووصل إنتاج المحروقات في ديسمبر إلى 1,3 مليون برميل يوميا، أي أضعاف ما كان ينتج قبل عام، لكنه أقل من معدل الإنتاج اليومي قبل عشرة أعوام حين ناهز 1,6 مليون برميل.

معاناة اقتصادية

ويقول جلال حرشاوي إن ما جرى أشبه بوضع "ضمادات" على الجراح بدل علاجها، إذ تعاني البنى التحتية في قطاع الطاقة من ضعف الصيانة.

أخيرا، تحولت ليبيا إلى مركز لتجارة البشر في القارة.

 

وصار عشرات آلاف المهاجرين تحت رحمة المهربين المحليين، يعيشون مأساة إنسانية رهيبة، ويتعرضون إلى انتهاكات جسيمة بينما يموت عدد كبير منهم أثناء محاولتهم العبور نحو الضفة الشمالية للمتوسط، رغم جهود المنظمات غير الحكومية.

 

كما يعاني النشاط الاقتصادي في ليبيا بشدة بعدما أصبح رهينة الانقسامات السياسية العميقة بين سلطتين متنافستين. كان العام الماضي صعبًا إلى حد كبير، فقد تسبب هجوم قوات حفتر على طرابلس والحصار النفطي "بأخطر الأزمات السياسية والاقتصادية والإنسانية في ليبيا منذ عام 2011"، وفقًا للبنك الدولي.

 

وقال الباحث في الشؤون الاقتصادية كمال المنصوري إن "ليبيا تمر بتراجع اقتصادي غير مسبوق، خاصة مع الأضرار التي لحقت ولا تزال بقطاع النفط وهو المورد الوحيد للبلاد، جراء الاغلاقات المتكررة التي أثرت سلبا على إيرادات الحكومة من النفط".

 

فقر واقتراض

تُضاف إلى كل ذلك أزمة نقدية كبيرة بوجود مصرفين مركزيين: مصرف ليبيا المركزي في طرابلس ومصرف آخر موازٍ له في الشرق، الأمر الذي يعيق السيطرة على سياسة البلد النقدية بينما ينهار الدينار. في هذا السياق، يعجز الليبيون عن تصريف أمورهم الحياتية اليومية في ظل نقص حاد في السيولة والبنزين والكهرباء والتضخم المتسارع.

 

من جانبه، حذر الخبير الاقتصادي نوري الحامي من أنه "في ظل استمرار التراجع الاقتصادي الحاد، ستتجه ليبيا باعتقادي في نهاية المطاف للاقتراض الدولي، وفي حال الوصول إلى هذه المرحلة، ستواجه البلاد أزمات مضاعفة وربما نشهد أرقامًا مفزعة لليبيين الذين يعيشون تحت خط الفقر للمرة الأولى في تاريخ البلاد الحديث".

 

لمنع حالات الاختلاس، وضعت الأمم المتحدة الأصول والاستثمارات الليبية الأجنبية التي تديرها هيئة الاستثمار الليبية تحت الحراسة القضائية في عام 2011 .

 

وقال كمال المنصوري إنه "لا يمكن لأي خطة اقتصادية أن تحقق النجاح دون تحقيق الاستقرار السياسي، عبر توحيد المؤسسات الرسمية وإنهاء انقسامها. ... ولا فرصة أمام المستثمرين الاجانب للعودة حالياً، لأن ذلك يتطلب توفير مناخ أمني يشجع الشركات الأجنبية على العودة".

جميع الحقوق محفوظة لمصدر الخبر مصر العربية وتحت مسؤليتة ونرجوا متابعتنا بأستمرار لمعرفة أخر الأخبار علي مدار الساعة مع تحيات موقع موجز نيوز الأخباري

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى