[real_title] باتت أزمة تشكيل الحكومة اللبنانية، برئاسة رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري، أحد المشاهد القاتمة التي لم تغب عن يوميات بيروت، وسط اتهامات للبعض بعرقلة ولادة حكومة جديدة، رغم تفاقم المصاعب الاقتصادية التي يعاني منها لبنان. ووفق وسائل إعلام لبنانية، فقد كشفت مصادر مواكبة للملف الحكومي، أنّ الرئيس المكلف سعد الحريري سينتظر ليتبيّن خلال اليومين المقبلين هل طرأ تغيير في موقف فريق رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره جبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر إزاء تسهيل مهمة تشكيل الحكومة بناءً للالتزامات التي تلقاها الموفد الرئاسي الفرنسي من سائر الفرقاء السياسيين ولا سيما منهم عون وباسيل، ليقرر في ضوئها الموقف الذي سيتخذه. وتوقعت المصادر أن يعمد الحريري وفق ما سيستخلصه من معطيات إلى تقديم مسودة تشكيلته الحكومية لرئيس الجمهورية منتصف الأسبوع الجاري ليبني تالياً موقفه النهائي بالارتكاز إلى مدى التجاوب الذي سيلقاه من عون. ولا ينقطع السياسيون بغالبيتهم عن المطالبة بحكومة مستقلة أو حكومة من الاختصاصيين وتصويرها على أنها الحل الوحيد للخروج من المأزق، وطُرحت هذه التسمية مع بداية الحراك في الشارع قبل عام من اليوم، واختلطت القضايا المطلبية مع مكافحة الفساد وتسليم سلاح "حزب الله".. كان المقصود بحكومة اختصاصيين التخلص من تمثيل "حزب الله" وغالبية الأحزاب في الحكومة، تبنى الرئيس سعد الحريري بعد استقالته يومذاك مطلب "الثوار" ومن بعده انطلقت رحلة تعدد التسميات الحكومية مع كل رئيس مكلف، "تكنوسياسية وحدة وطنية" و"مستقلة"، إلى أن حضر الفرنسيون باقتراح "حكومة المهمة" التي لم يفهم حتى الساعة المقصود منها ومن تمثل. ولا تجد "حكومة الاختصاصيين" مؤيدين لها في كواليس المحازبين ممن يعترضون على طريقة التهكم على الأحزاب وتماهي رؤساء الكتل والأحزاب مع هذا الأمر رغم كونه إدانة لمسيرتهم الحزبية الطويلة، بينما لا يهتم "حزب الله" لتسمية الحكومة المقبلة سواء كانت اختصاصيين أو تكنوسياسية أو سياسية، فهي صيغ سيجد لها مخرجاً، والأهم في نهاية الأمر أن يكون ممثلاً. ولا يشكل "حزب الله" استثناء هنا، فكل الأحزاب تسعى إلى التمثل في الحكومة ولو بالتحايل على التسميات. من الناحية الدستورية يبدو الطرح مخالفاً لما ورد من مواد وبنود في الدستور تحث على تشكيل الحكومة وأولها المادة 17 التي تقول إن السلطة الإجرائية تناط بمجلس الوزراء مجتمعاً، وبهذا المعنى أن الوزراء ليسوا موظفين لدى رئيس الحكومة ولا هو مطلق الصلاحيات داخل السلطة التنفيذية. ودرجت العادة في لبنان أن الطوائف تمثلها أحزاب في مجلس النواب يجب أن تتمثل في مجلس الوزراء، وتشكيل الحكومة بالطريقة المعتمدة تشوبه التناقضات في الأداء كما المضمون. قيّد الحريري نفسه بالتغاضي عن التشاور مع الأحزاب وانطلق من نقطة اللا منطق في تشكيل الحكومات وهذا مرده إلى تخبط وتراكم ضغوطات. ظن الرجل أن الفرنسيين يمكن أن يضغطوا على رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل الذي ستخضعه العقوبات الأميركية، فلا حصلت هذه ولا تلك وتراكمت الضغوطات عليه فجمّد جهوده عند نقطة الصفر، لا هو قادر على التراجع ولا التقدم. عبارة لافتة قالها مستشار رئيس "التيار الوطني" أنطوان قسطنطين بعد استقالة الحريري قبل عام: "ما فيك تكون عم تشكل حكومة في لبنان وتفكر بالنظام في بريطانيا". الواقعية إذاً هي المطلوبة إلا إذا كان المقصود التلطي خلف التسميات لاختراع الحجج فيما العلة في مكان آخر. وقبل أيام، غادر المبعوث الفرنسي باتريك دوريل بيروت تاركاً جميع الأطراف أمام مسؤولياتهم. وأعطاهم مهلة زمنية لا تزيد على أسبوعين للاتفاق على تأليف الحكومة، مهدّداً بأنه في حال عدم تأليفها وبقاء الوضع على ما هو عليه، فإن المؤتمرات المخصصة للدعم الاقتصادي، والمشروطة بوجود حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات والالتزامات المطلوبة، ستُلغى. مراقبون أكدوا أن مشكلة المهمة الفرنسية أنها لم تكن على مسافة واحدة من الجميع، سريعاً تبين أن دوريل يتبنّى بشكل تام موقف الرئيس سعد الحريري. وهو، بحسب المعلومات، كان أقرب إلى الناطق باسمه في لقاءاته مع الأطراف الآخرين، ولا سيما مع جبران باسيل. وبانياً على العقوبات الأمريكية، اتهم باسيل بالعرقلة، فيما الأخير حافظ على مطلب وحدة المعايير. دوريل وصل إلى حدّ طرح أسماء محددة لوزراء في الحكومة المقبلة، والتي صودف أنها الأسماء نفسها التي يريدها الحريري، ولذلك، طرح موفد الرئيس الفرنسي، العميد المتقاعد نقولا الهبر لوزارة الداخلية وشارل الحاج لوزارة الطاقة، وكلاهما سبق أن رفض رئيس الجمهورية العماد ميشال عون فرضهما عليه من قبل الرئيس المكلّف. ومنذ نحو أسبوع لا تزال العقد على حالها، رئيس الحكومة المكلّف يصرّ على المشاركة في تسمية الوزراء المسيحيين، فيما يصرّ رئيس الجمهورية والنائب جبران باسيل على وحدة المعايير: ما يسري على الكتل الثانية يسري علينا. كما يسمّي حزب الله وأمل الوزراء الشيعة، وكما يسمّي وليد جنبلاط الوزير الدرزي، وكما يسمّي الحريري الوزراء السنّة. في الغضون، أرجع أكاديمي لبناني، تأخير تشكيل الحكومة اللبنانية إلى الضغوط الداخلية والخارجية الممارسة. وقال الخبير بالشؤون الدولية والإقليمية، طارق عبود، في تصريحات صحفية، إن تأخر تشكيل الحكومة اللبنانية مرتبط بضغوط داخلية وأخرى خارجية، وكذلك المراهنات السياسية الخاصة بكل طرف وكل حزب، وهي مراهنات بخلفيات طائفية ومحاصصية، على حد قوله. واستبعد عبود أن يكون التحذير الفرنسي بأن تأخر تشكيل الحكومة سيمنع المساعدات الدولية، مشيرا إلى أن القوى السياسية لن تحركها هذه الضغوط، لأن أولويات الأحزاب السياسية ليس من بينها الانهيار الاقتصادي للبنان بقدر ما يهمها أولوياتها الطائفية والمحاصصية.