نتنياهو يدفن حل الدولتين إلى الأبد.. لماذا هذا الاندفاع ؟ (تحليل)

[real_title] بعد أن بذل قصارى جهده لقتل حل الدولتين على مدار العقد الماضي، ينتظر رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" الآن مع مجرفة في يده ليدفنه إلى الأبد، عبر خطة ضم أجزاء من الضفة الغربية.

 

العبارة السابقة كتبها المحلل الأمريكي وعضو المجلس الاستشاري الأمريكي لمنتدى السياسة الاسرائيلية "آرون ديفيد ميلر"، متحدثا عن الآفاق القاتمة لخطوة تل أبيب المقبلة، التي تأتي بضوء أخضر من واشنطن، ولا يهمها – على ما يبدو – التبرم الأوروبي، أو الصدام السياسي المحتمل مع الأردن، ويبدو أنها تتشجع برد الفعل العربي الباهت.

 

وبغض النظر عن تعهد "نتنياهو" بتطبيق القانون الإسرائيلي من جانب واحد على الأجزاء التي سيضمها من الضفة، فإن هناك شيئًا ضخمًا آخر يغفله الجميع؛ هو أن "نتنياهو" في طريقه لضمان استحالة قيام دولة فلسطينية حقيقية قائمة على حدود يونيو 1967 مع عاصمة في القدس الشرقية.

 

ويرى "ميلر" أن "نتنياهو" لا يعد المهندس الوحيد لهذا الوضع القاتم، حيث ساهمت 3 عقود من غياب القادة الأقوياء على الجانبين، مع الشك العميق المتبادل وعدم الثقة؛ إضافة إلى الصعوبة البالغة للقضايا نفسها (بما في ذلك القدس وقضايا اللاجئين والمستوطنات الإسرائيلية)؛ وعدم فعالية الوساطة الأمريكية؛ في منع وصول الأطراف إلى أرضية مشتركة.

 

التوسل لنتنياهو

 

ويضيف أن القادة داخل وخارج الشرق الأوسط يبدو وكأنهم يتوسلون لـ"نتنياهو" لإظهار ضبط النفس، فيما تحول النقاش في إسرائيل في الأسابيع الأخيرة من الجدل حول فكرة الضم ذاتها، إلى النقاش حول مقدار ما سيتم ضمه، ما يؤكد أن اللعبة الآن أصبحت تُلعب بشروط "نتنياهو" أكثر فأكثر.

 

يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي المحاكمة بتهمة الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، جنبا إلى جنب مع صعوبة مراس شركائه في الائتلاف اليميني الجامح؛ وتصاعد تفشي "كورونا" مجددًا؛ والركود اقتصادي ومعضلة إيران المستمرة.

 

ولكن إذا وضع "نتنياهو" نصب عينيه البقاء في السلطة وإغلاق الباب نهائيا أمام قيام دولة فلسطينية حقيقية، فسوف يفوز، مع قدر كبير من الزخم أيضًا.

وسواء حدث الضم الآن أم لم يحدث، فسوف يكون بإمكان نتنياهو" الاعتماد على الدعم الشعبي القوي للحفاظ على غور الأردن والكتل الاستيطانية الكبيرة في الضفة الغربية تحت السيطرة الإسرائيلية إلى الأبد.

 

وفي الوقت الحالي، لا يوجد ضغط جاد على "نتنياهو" للتنازل عن أي شيء، وبالعكس، فإنه يحظى بضوء أخضر للسيطرة على المزيد.

 

عورات الفلسطينيين الظاهرة

 

كان الفلسطينيون أنفسهم أفضل حلفاء "نتنياهو" في جهوده لإخماد التطلعات الوطنية الفلسطينية، حيث تبدو الحركة الوطنية الفلسطينية منقسمة وعاجزة وبلا هدف، وقد خلقت حركتا "فتح" و"حماس" المتصارعتان نسختين من كل شيء؛ دويلات، وأجهزة أمنية، ودساتير، ورعاة.

 

أما الرئيس الفلسطيني المحاصر "محمود عباس"، فهو عالق بين القبول بالاحتلال الراهن، وبين قبول خطة "ترامب" للسلام التي تقدم في أفضل الأحوال دولة عاجزة، وبين الدعوة إلى المقاومة وتفكيك السلطة الفلسطينية.

 

ويزداد ازدراء الرأي العام الفلسطيني والعربي لقيادة "عباس"، وهم يرون تهديداته بقطع جميع العلاقات مع إسرائيل - بما في ذلك التعاون الأمني ​- فارغة، ويرجع ذلك إلى اعتماد السلطة الفلسطينية على إسرائيل في كل شيء، بدءا من تصاريح السفر، إلى الماء والكهرباء والعلاج الطبي.

 

ورغم ذلك من غير المرجح أن تلجأ السلطة الفلسطينية إلى تبني الخيار المسلح لأن ذلك سيصبح بمثابة شهادة جدارة لرهانات "حماس"، وفي الوقت نفسه، لا يبدو أن هناك انتفاضة عفوية وشيكة الحدوث، وفي وقت سابق من هذا الشهر، حشدت "فتح" الآلاف في شوارع أريحا للاحتجاج على الضم، أما في رام الله، فقد كافحت من أجل إقناع 200 شخص بالمشاركة.

 

وكان "عباس" دوما مفتاح أحلام "نتنياهو"؛ حيث كان دائمًا على استعداد للتعاون مع إسرائيل في مجال الأمن وتجنب الخيارات العنيفة ولم يمارس حتى دبلوماسية حقيقية، وهكذا شارك بشكل كبير في تعزيز حملة "نتنياهو" لإغلاق الباب أمام إقامة دولة فلسطينية ذات معنى.

 

بدورها، ترى إدارة "ترامب" أن "عباس" يعد تجسيدًا لكل أخطاء الفلسطينيين، ما يساعد على تحرير "نتنياهو" من الضغط الأمريكي الجاد.

ولكن ليس بإمكان الرئيس الفلسطيني فعل الكثير لتحسين موقف السلطة الفلسطينية، فقد حثه البعض على طرح خطته الخاصة للسلام، ولكنه عالق بين خيار الاستسلام والمقترحات التي لن يقبلها "نتنياهو" و"جانتس" والشعب الإسرائيلي أبدًا، مثل العودة إلى حدود يونيو 1967 مع مبادلة الأراضي وجعل القدس الشرقية عاصمة للفلسطينيين.

 

دعم عربي خفي

 

في الوقت نفسه، حصلت طموحات "نتنياهو" على دعم إضافي من الدول العربية، خاصة في الخليج، وحتى في الوقت الذي واصل فيه بناء المستوطنات وأحبط التطلعات الفلسطينية، ازدهرت علاقات حكومته مع السعودية والإمارات والبحرين.

 

هناك أسباب وجيهة للاعتقاد بأن هذا الانفراج مع دول الخليج العربية سيستمر؛ مثل قلق السعودية والإمارات من الصعود الإيراني، والإحباط العربي تجاه قضية فلسطين، وهناك أيضًا الرغبة القوية لدى دول الخليج في الحفاظ على علاقات وثيقة مع إدارة "ترامب" التي تشارك إسرائيل وجهة نظرها المعادية لإيران.

 

كل هذه العوامل ساعدت في مواءمة المصالح الإسرائيلية والعربية، ما أدى إلى بوادر ود علنية مثل زيارات الرياضيين الإسرائيليين والدبلوماسيين ورجال الأعمال إلى الخليج بالإضافة إلى زيادة التعاون الأمني والاستخباراتي في السر.

 

كانت الولايات المتحدة أهم شريك مكن "نتنياهو" من التقدم في الضم، وعلى الرغم من أن إدارة "ترامب" أرسلت مؤخرًا إشارات متضاربة بشأن المسألة، لكن الرئيس الأمريكي وفريقه قد فعلوا الكثير لدعم جهود "نتنياهو" البطيئة لقتل الدولة الفلسطينية.

 

وقد قامت إدارة "ترامب" بإعادة صياغة سياسة الولايات المتحدة بشأن حل الدولتين، بشكل يجعلها تتماشى مع رغبات "نتنياهو"، وهي: دولة فلسطينية عاجزة على مساحات متقطعة الضفة الغربية، مع عاصمة رمزية في إحدى ضواحي القدس الشرقية، وهي دولة مشروطة بمجموعة من القيود التعجيزية التي سيحتاج الفلسطينيون إلى الوفاء بها، لدرجة أن سفير "ترامب" في إسرائيل قال مازحا إنهم سيحتاجون إلى أن يصبحوا دولة ديمقراطية مثل كندا للوفاء بالشروط.

 

ويتساءل الكاتب الأمريكي: في ضوء ذلك، لماذا يخاطر "نتنياهو" بتعريض كل هذه المكاسب للخطر من أجل توسيع القانون الإسرائيلي ليشمل الأراضي التي تسيطر عليها البلاد بالفعل ولا يضغط أحد من أجل عودتها؟

 

ولماذا يثير غضب الفلسطينيين، وغضب الدول العربية (خاصة الأردن)، ويهدد بصداع محتمل مع الأوروبيين، وبداية غير ودية مع الإدارة الأمريكية التي قد تكون مختلفة بعد الانتخابات القادمة؟

 

ويجيب: ربما يكمن الجواب في الإرث الذي يأمل أن يتركه "نتنياهو" وراءه، حيث إن تطبيق القانون الإسرائيلي على جزء كبير من الضفة الغربية سيعني النهاية التي لا رجعة فيها لمشروع الدولة الفلسطينية، ما يجعله رئيس الوزراء الذي لم يدفن فقط حل الدولتين ولكنه ضم أراضي الضفة الغربية أيضا.

جميع الحقوق محفوظة لمصدر الخبر مصر العربية وتحت مسؤليتة ونرجوا متابعتنا بأستمرار لمعرفة أخر الأخبار علي مدار الساعة مع تحيات موقع موجز نيوز الأخباري

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى