"نظامٌ يحكم أنقاض دولة وأراوح شعب تحت رمادها".. ماذا فعل الأسد في سوريا؟

"نظامٌ يحكم أنقاض دولة وأراوح شعب تحت رمادها".. ماذا فعل الأسد في سوريا؟
"نظامٌ يحكم أنقاض دولة وأراوح شعب تحت رمادها".. ماذا فعل الأسد في سوريا؟

[real_title] "الشعب يريد إسقاط النظام".. الشعار الذي لفّ بلدان العربية في 2011، أطاح برؤوس عدة أنظمة، وخيل لكثيرين أنّه سيفعل الأمر نفسه في سوريا، لكنّ ذلك لم يحدث، فبشار الأسد لا يزال رئيسًا للنظام.

 

سبع سنوات مرّت على الثورة السورية، تحول خلالها المشهد كاملًا، إذ كان الثوار على مقربة من إسقاط الأسد وإجباره على التنحي، أو حتى ملاقاة نظيره الليبي (المقتول) الراحل معمر القذافي، إلا أنّ عوامل تدخلت فرضت سيطرةً لنظام الأسد، ليحكم أنقاض دولة.

 

مجلة "ذي أتلانتك" الأمريكية أجابت على الأسئلة الملحة، وكيف ولماذا انتصر الأسد على الثورة؟، إذ فنّدت الأسباب التي قادت إلى ذلك، وأولها للمؤسسات الأمنية السورية التي رأت أنّها صاحبة الفضل في إبقاء الأسد رئيسًا للنظام إلى الآن.

 

وتقول: "بقيت هذه المؤسسات على ولائها المطلق للأسد دون أي محاولات للانقلاب عليه، وعلى الرغم من حدوث انشقاقات في الجيش السوري، إلا أن معظم المنشقين ليسوا من الأفراد ذوي التدريب العالي، ولا يمتلكون أسلحة ثقيلة، ولم يتجاوز عددهم 50 ألف متمرد".

 

أما على مستوى القيادات السياسية والعسكرية، فمعظم المنشقين مثل مناف طلاس اللواء في الحرس الجمهوري، ورئيس الوزراء رياض حجاب، والمتحدث باسم الخارجية جهاد مقدسي لا يمتلكون سلطة مؤثرة.

 

المجلة أرجعت كل ذلك لما وصفتها بـ"حصانة" نظام بشار ضد الانقلابات العسكرية، الذي ورثه عن والده حافظ الأسد، حيث كان الأخير قد بنى نظامًا من الموالين بشكل مطلق له، ومعظمهم من الأقلية العلوية، حيث أقنعهم أنّ عائلته هي الضامن الوحيد لنفوذهم في البلاد، لذا عيّن على رأس الوحدات الهامة في الجيش أشخاصًا من الطائفة العلوية ومعظمهم من أقربائه، وعندما اشتعلت الحرب في 2011، كان أبرز القادة الأمنيين هم: شقيق الرئيس، وزوج شقيقته، وابن عمه.

 

كما لعب الأسد - توضح المجلة - بورقة الطائفية: "لطالما انحاز العلويون والمسيحيون (8% من السكان)، والدروز (3%) لأسرة الأسد، فضلًا عن العديد من العلمانيين من العرب السنة - وهم الأغلبية، كانت حجتهم هي أنهم مدافعون عن التعددية الدينية، وعند اندلاع التمرد في عام 2011، ادعى الأسد زورًا أن المتظاهرين مثيرو شغب، وإسلاميون متطرفون، وظهرت ملصقات حكومية محذرة من الانقسامات الطائفية، وقد أفلحت الحيلة في نهاية المطاف، كانت الاحتجاجات في بدايتها تشمل كل الطوائف، ولكن مع مرور الوقت، بقي العلويون والمسيحيون والأقليات الأخرى بعيدًا، وظل كثير من السنة العلمانيين محايدين، أو دعموا الأسد".

 

سببٌ محلي آخر تحدث عنه التقرير، وهو ورقة "الأجور"، ويذكر: "كان تردي الوضع الاقتصادي أحد محفزات التمرد، إذ بلغ الفقر قمته في المناطق الريفية، وبين الشبان الذين تبلغ نسبة البطالة بينهم 25%، ومع ذلك لا تزال الدولة توفر 20% إلى 30% من الوظائف، وقد خشي البعض من فقدان الراتب"

 

ويضيف: "واصل الأسد بذكاء دفع الرواتب، بل رفع رواتب الدولة طوال الحرب رغم سوء التضخم، بما في ذلك في المناطق الخارجة عن سيطرته، كما أنّ الطبقة الوسطى التي استفادت من سياسات الأسد كانت بطيئة في التخلي عنه، وفي حين أن البعض في حمص قام بتمويل المعارضة، إلا أن السكان ظلوا هادئين إلى حد كبير في دمشق وحلب".

 

أيضًا، نجح بشار في تفتيت وشيطنة المعارضة، وتقول المجلة: "كانت المظاهرات في أول الثورة سلمية وتنادي بالديمقراطية، لكن النظام قابلها بالعنف المفرط، وعندما انتقل الثوار إلى الكفاح المسلح دفاعًا عن أنفسهم، لجأ إلى وصف المتظاهرين بالمتطرفين الإسلاميين الأجانب، وحتى يثبت صحة مزاعمه، قام النظام باستهداف منظمي الاحتجاجات السلمية، واعتقل منهم قرابة 8 آلاف شخص، واختفى حوالي 75 ألفًا آخرين، وقد تعرضوا لتعذيب وحشي في السجون، أما من حالفهم الحظ وأُفرج عنهم، فإما أنهم قد هربوا أو اتجهوا للتطرف".

 

في المقابل، أطلق النظام سراح آلاف الجهاديين على أمل تزعمهم التمرد حتى يصدق العالم كذبة أنه عنف إسلاميين متشددين، ومن بين هؤلاء حسن عبود القيادي في "أحرار الشام"، وزهران علوش زعيم "جيش الإسلام"، وغيرهم من الآلاف الذين كانوا سجناء لدى الأسد في بداية الثورة، ثم أصبحوا مقاتلين لدى "جبهة النصرة" وتنظيم "الدولة".

 

ويؤكد التقرير أنّ جل المجهود العسكري للنظام استهدف المعارضة المعتدلة، وليس تنظيم "الدولة" وأخواتها، إذ أنّ الأخير كان يسيطر على مناطق بعيدة أقصى الشرق، أمّا الثوار فكانوا يهددون معاقله الرئيسة في الغرب، وكان الهدف أيضًا هو القضاء على المعارضة المعتدلة حتى لا يتبقى أمام العالم سوى داعش والنظام للاختيار من بينهما.

 

عالميًّا، قادت بعض الأسباب إلى حفاظ الأسد على استقرار نظامه، وفي المقدمة من ذلك الدعم الإيراني والروسي، فروسيا تصدت بـ"الفيتو" في مجلس الأمن 12 مرة لحماية الأسد من القرارات الغربية، ومنحت موسكو وطهران مساعدات اقتصادية لتعويض تأثير العقوبات والحرب، كما طبّعت روسيا مذكرات مصرفية سورية للالتفاف على عقوبات الاتحاد الأوروبي، في حين وافقت إيران على تقديم قروض لسوريا بقيمة 4.6 مليار دولار، والتي سددت ثمن الأسلحة والرواتب، وأبقت الدولة المتعثرة متماسكة.

 

أيضًا، قدّمت روسيا وإيران مساعدات عسكرية أساسية، إذ أرسلت إيران الأسلحة والمستشارين، وزادت من دورها بعد عدة هزائم للأسد في 2012 – 2013، وجلبت الميليشيات الشيعية الأجنبية، على رأسها حزب الله اللبناني، وأعادت تنظيم القوات السورية.

 

كما قدمت روسيا الأسلحة، وتدخلت مباشرة بسلاحها الجوي في عام 2015، عندما بدا الأسد ضعيفًا، وهذا ما قلب ميزان المعركة، وسمح للأسد باستعادة المناطق الرئيسة من المتمردين وداعش، وباتت روسيا سيدة القرار في سوريا، فراحت تعقد صفقات مع إيران وتركيا والولايات المتحدة لتجميد الصراع مع المتمردين، ومع ذلك، فقد انتهك الأسد وقف إطلاق النار في عام 2018 بدعم من بوتين.

 

يُضاف إلى ذلك مواقف دولية تركت الساحة لإيران وروسيا دون أن تتدخل بما يحقق على الأقل توازنًا على الأرض، وفي المقدمة من ذلك الموقف الأمريكي الذي اتخذ من السيناريو الليبي عظةً خشية تدهور الأوضاع الأمنية بعد التدخل ودعم الثوار ضد نظام معمر القذافي حتى مقتله، بيد أنّ الأمر تطور وصولًا إلى تثبيت أكبر لحكم الأسد.

 

يقود كل ذلك إلى أنّ هناك العديد من الأسباب التي قادت في نهاية المطاف إلى تثبيت حكم الأسد مقابل خسائر فادحة للمعارضة السورية، إلا أنّه نتيجة لكل ذلك يمكن القول إنّ الأسد سيحكم ليس دولة، لكن أنقاضًا وأراوح شعب تحت رمادها.

 

في حديثه عن ذلك، يقول الكاتب والمحلل بشير نافع: "بعد سبع سنوات من اندلاع الثورات في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن، يمكن القول إنّ الهدف من تبديل النظام السياسي لم يفشل في سوريا وحدها، ولكن في كل واحدة من هذه الدول".

 

ويضيف: "لقد حدث الفشل في دول لم تشهد ثورة مسلحة، ولم تشهد ظهور جماعات إرهابية مثل تنظيم الدولة والقاعدة، وكانت قوى المعارضة فيها أكثر نضجًا، وحتى عندما نجحت بعض الثورات في إسقاط الأنظمة، سرعان ما عادت النخب الحاكمة القديمة، وأطلقت حركات معادية للثورة واستعادت السلطة".

 

ويتحدث المحلل عن دور للثورة المضادة: "حقيقة أن حركة الثورة والتغيير كانت عربية، وليست سورية أو يمنية أو ليبية فقط، أدت إلى تعبئة مضادة عبر العالم العربي، فحالما أدركت قوى الثورة المضادة حجم وتأثير الديناميكية الثورية، تحركت لبناء ائتلاف واسع النطاق".

 

ويوضح: "وبدون اتفاق مسبق حتى، تحركت الدول ذات النفوذ والموارد السياسية والعسكرية والمالية الهائلة مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإيران لسحق حركة التغيير والتحول الديمقراطي، وقد اعتبر معسكر الثورة المضادة الثورات الديمقراطية انذارًا لميزاته وصلاحياته ونفوذه في الشرق الأوسط، وبالتالي قرر شن الحرب في جميع أنحاء المنطقة".

 

علاوة على ذلك، يذكر نافع: "لم تجد الحركة الثورية العربية حلفاء دوليين أقوياء لدعمها وحمايتها في لحظات التغيير الرئيسية، في عالم متشابك، لم ينجح أي تحول ديمقراطي بدون دعم خارجي، فبدون دعم سياسي واقتصادي من الولايات المتحدة وأوروبا، لم يكن لأي تبديل ديمقراطي أن يرسخ جذوره في إسبانيا والبرتغال في أعقاب انهيار الأنظمة الاستبدادية، ولا في أوروبا الشرقية في أعقاب انهيار الكتلة الشيوعية".

 

ويواصل قائلًا: "كان الدعم الغربي للثورات العربية وعملية التحول الديمقراطي بطيئًا ومترددًا، وسرعان ما تحول إلى لامبالاة، أو العودة إلى سياسة الشيطان الذي نعرفه".

 

هو الآخر في تعليقه على ذلك، يركز المحلل والمعارض السوري تيسير النجار عن دور "التغيير الديمغرافي" الذي لعب دورًا أساسيًّا في تثبيت حكم الأسد، ويرى أنّ ذلك يأتي في إطار المشروع الفارسي في المنطقة.

 

ويقول لـ"مصر العربية": "المشروع الإيراني في المنطقة كان طابعه شيعيًّا لكنّ عمليًّا هو قائم على سيطرة إمبراطورية".

 

ويضيف أنّه تمّ تجنيس المقاتلين الذين ساعدوا نظام الأسد من أجل إحكام قبضتهم على دمشق، والعمل على تهجير الأهالي في المناطق التي تُسقط العاصمة.

 

ويشير إلى أنّه تمّ تهجير كل المقاتلين والمدنيين الثوار، وتم تسكين هؤلاء المقاتلين الأجانب مكانهم وذلك بإعطائهم الجنسية السورية.

 

ويوضح "النجار" أنّ القانون رقم 10 الصادر مؤخرًا جاء في نفس السياق أيضًا، حيث بدأ الأمر بالمشروع الفارسي ثم التهجير ثم القانون الأخير ثم إعطاء الجنسية، ثمّ الحل السياسي إذا ما تمّ سيكون لإيران دور واضح ومؤثر.

 

وأرجع هذا الدور إلى أنّ هناك مليوني مقاتل في سوريا، يقبعون تحت السيطرة الإيرانية، رغم أنّهم أصبحوا سوريين.

 

لكنّ المحلل السوري يشدّد على أنّ كل القرارات وحتى المعاهدات التي أبرمت مع روسيا عقب الثورة (في 2011) تعتبر لاغية، حيث أنّ تلك المعاهدات منحت روسيا قواعد عسكرية منعت السوريين من دخولها، وهو ما يتعارض مع أمر السيادة الوطنية السورية.

جميع الحقوق محفوظة لمصدر الخبر مصر العربية وتحت مسؤليتة ونرجوا متابعتنا بأستمرار لمعرفة أخر الأخبار علي مدار الساعة مع تحيات موقع موجز نيوز الأخباري

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى