[real_title] جرت العادة في حروب السنوات الماضية أن يغزو طرفٌ آخرًا في معركة صريحة، يفرض عليه قوته المسلحة، بيد أنّ ما تشهده الساحة السورية في السنوات الأخيرة ينطبق عليها وصف "مسرح العمليات" لمواجهة مرتقبة جرت ربما أولى جولاتها بين إيران والاحتلال.
وقد كانت عمليات تبادل الضربات الصاروخية بين الجانبين في الداخل السوري مؤشرًا مهمًا للغاية -على شبح الصراع المسلح الذي بدا يلوح في الأفق على نطاق واسع بالمنطقة.
لكن تقارير دولية تشير إلى أنّ ذلك ليس السبب الرئيسي، فيقول معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في دراسة حصل عليها "مصر العربية": "بصرف النظر عن قرار الولايات المتحدة هذا الأسبوع، والخاص بانسحابها من الاتفاق النووي مع إيران، فإنّ التطورات الإقليمية والدولية الأخرى تشير إلى أنّ الظروف باتت مهيأةً لإثارة الحرب ضد إيران، ولابد أن نؤكد هنا، أنّ مفهوم الحرب في هذه الحالة لا يقتضي بالضرورة، ضرب طهران بالقنابل والصواريخ، بل أنّ مجرد إحساس صانع القرار السياسي الإيراني باقتراب الحرب منه، أو من مناطق نفوذه، هو بحد ذاته إشعال لفتيل هذه الحرب، علمًا بأنّ التطورات الخارجية والداخلية المتعلقة بإيران، توحي بأنّ هناك شيئًا ما سيحدث".
ويتحدث التقرير عن الصعيد الداخلي الإيراني قائلًا: "أصبح الصراع السياسي على أشده بين مختلف التيارات، فمن جهة بات الحرس الثوري غير مقتنع بالتصرفات التي تقوم بها حكومة الرئيس روحاني، خاصة الاقتصادية والأمنية منها، وفي السياق نفسه نجد أنّ موضوع قداسة سلطة ولاية الفقيه أصبحت في حاجة اليوم، لمراجعة مدى شرعية مرشدها الأعلى علي خامنئي الذي يتربع على قمة هرم الدولة، علمًا أنّه أصبح المحور الرئيسي لكل الانتقادات الموجهة للنظام السياسي الإيراني".
ويضيف: "منذ اندلاع المظاهرات الاحتجاجية بإيران في ديسمبر الماضي، لم يسلم علي خامنئي من سهام النقد الموجهة إليه، سواء من قبل أحمدي نجاد أو من القيادات الإصلاحية، أو التيار الشيرازي، أو حزب نهضة آزادي، أو حركة التحرير وغيرها، والتي تشي جميعها، بأن التصدع العظيم بدأ ينخر جسد هذا النظام".
ومن جهة أخرى - حسب التقرير - فإنّ الشعب الإيراني لا يزال هو الآخر، ينتظر الوعود الاقتصادية والاجتماعية التي تعهدت بها الحكومة الإيرانية، والتي لم ينفذ منها أي شيء حتى الآن، سوى المزيد من جرعات التخدير التي تبتغي امتصاص حالة الغضب الشعبي المتنامية في الشارع الإيراني، وعلى ما يبدو فإن هذا الشارع أضحى يتحين الفرصة المناسبة، للتفاعل مع أي جهد دولي يستهدف إسقاط النظام السياسي.
ويشير إلى أنّ حالة الأزمة الاقتصادية وصلت اليوم إلى أدنى مستوياتها، وبخاصةً بعد الهبوط الحاد في قيمة العملة الإيرانية مقابل الدولار الأمريكي، والتي قد تستمر لمدة أطول في ظل العديد من المؤشرات، إذ تزامنت مع تحديات أخرى من قبل تصاعد العقوبات الدولية على إيران، وقيام الحرس الثوري الإيراني بتهريب الكثير من رؤوس أمواله إلى خارج البلاد، والذي كان له الأثر السلبي على قيمة العملة الإيرانية والسيولة النقدية من العملة الصعبة بالبلاد.
"أما الواقع الاجتماعي فهو ليس بأفضل حال من الواقع السياسي، فبعد أزمة الحجاب والتلغرام والتضييق على الحريات، لازالت المظاهرات الاحتجاجية مشتعلة في الأحواز العربية وغيرها من المحافظات النائية، وكلها تؤكد بما لا يقبل الشك، على أن هناك أزمة كبرى قد لا يستطيع النظام الإيراني مواجهتها، وحتى لو نجا منها، فإنّ تناقضاته الداخلية الواضحة تمثل حافزًا للقوى الخارجية على توجيه ضربة عسكرية رادعة لإيران، نتيجة تدخلاتها الخارجية المفرطة".. يوضح التقرير.
ونقل المركز عن صحيفة "شرق رزنامة" - المقربة من التيار الإصلاحي في إيران - أنّ هناك ترتيبات سياسية تجري خلف الكواليس للإعداد المبكر لمرحلة ما بعد خامنئي، ينقض فيها الحرس الثوري الإيراني على السلطة، من أجل الحفاظ عليها، مع اختيار مرشد جديد يأتمر بأوامر قيادة هذا الحرس، علمًا بأنّه لا يمكن لأي شخصية دينية أن تصبح مرشدًا أعلى في إيران، دون أن تمر عبر قناة الحرس الثوري.
وأشارت الصحيفة نفسها إلى أنّ التيار المحافظ ومعه أركان الدولة العميقة، قد اقتنع بأنه إذا ما استمرت الأمور على ما هي عليه داخليًّا وخارجيًّا، فإنّ شخصية رئيس الجمهورية القادمة ستكون عسكرية، وهو ما عبر عنه حسين الله كرم الأستاذ في الجامعة الحرة الإسلامية، بأنه ينبغي أن تكون شخصية عسكرية استراتيجية، ووضع العديد من الخيارات ضمن إطار هذه الشخصية مثل قاسم سليماني قائد فيلق القدس، ومحسن رضائي القائد السابق للحرس الثوري الإيراني ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، إلى جانب محمد باقر قاليباف قائد سابق لسلاح الجو في الحرس الثوري ومقر خاتم الأنبياء وعمدة طهران حاليًّا، هذا إلى جانب شخصيات أخرى قد تكون قريبة من تفكير التيار المحافظ، كحسين دهقاني أو مسعود جزائري وغيرهما.
ويبقى قاسم سليماني - وفق التقرير - هو الأقرب والأكثر حظًا بين هذه الشخصيات، وذلك بحكم علاقاته داخليًّا مع أركان الدولة العميقة، وحتى خارجيًّا مع مختلف التيارات السياسية والحركات المسلحة التي تدور في الفلك الإيراني.
ويذكر التقرير: "من الاحتمالات القوية التي لها ما يبررها، أن تكون إيران هي صاحبة الأمر في تنفيذ الهجوم الكيماوي على مدينة دوما، فدوافعها تبدو أكثر من الدوافع التي قد تحث روسيا على القيام بذلك، إذ أنّ إيران غير راضية على وجود متمردي جيش الإسلام في تلك المنطقة، وتتوجس من علاقاتهم الجيدة إلى حد ما، مع الولايات المتحدة، فهي تتخوف من أن يؤدي ذلك إلى تفكير الولايات المتحدة في خلق جبهة جديدة بدمشق".
بناء على المعلومات الواردة في هذا التقرير، فإنّ اندلاع حرب بين إيران والاحتلال تبدو قريبة الاحتمال، شديدة الأخطار، بيد أنّ الجانب الأهم، وربما المتفق عليه، أنّ حربًا كهذه ستغيّر الكثير في الشرق الأوسط المشتعل، وهو ما يجعل جميع الأطراف خاسرة في هذا الصراع.
وفي ظل كل ذلك، ترى العديد من التحليلات أنّ لا مصالح يجنيها أي طرف منهما حال اندلاع المواجهة بينهما، إذ يقول أستاذ علوم الحرب في كلية كينجز كوليج البروفيسور لورنس فريدمان في مقالٍ بصحيفة "صندي تايمز": "المواجهات بين إسرائيل وإيران ستتواصل، إلا أن الطرفين يعلمان أن حربًا شاملة ليست من صالحهما".
ويضيف: "إيران وإسرائيل تشجبان بعضهما منذ وقت طويل، وعلينا الملاحظة أنهما ليستا عدوتين طبيعيتين، وبينهما مسافة 600 ميل، فلا توجد هناك نزاعات حدودية، وعندما يتم الحديث عن مستقبل بشار الأسد فكلاهما متفق على بقائه في الحكم، وهناك مخاوف مما سيحصل بعدما ينهار نظامه".
ويتابع: "إسرائيل وإيران أقامتا في أيام الشاه تحالفًا استراتيجيًّا قائمًا على عدم الثقة بالدول العربية، فلم تطرد إيران اليهود، كما حصل مع دول عربية أخرى، وتدهورت العلاقات بعد الثورة الإسلامية عام 1979، التي التزم فيها النظام الجديد بالقضية الفلسطينية".
يقود ذلك إلى اعتبار أنّ الجانبين لا يريدان تحمل كلفة إشعال حرب واسعة النطاق، بل يسعيان فقط إلى القيام بعمليات محدودة، تعكس عدم تراجع إيران عن تعزيز حضورها على الأراضي السورية، وإصرار الاحتلال على وضع إطار محدد لهذا الحضور الإيراني بالقرب من حدودها.
بيد أنّ هناك أصوات ترى أنّ "التعقيد" الراهن في المنطقة بشكل عام وفي الأزمة السورية بشكل خاص ربما يلغي أو يؤجل فكرة "الاصطدام المباشر"، أو حتى يقود إلى الشكل غير التقليدي في الصدامات العسكرية.
ويقول: "الحرب التقليدية أصبحت غير ممكنة بين دولٍ ليس لها حدود مع بعضها، وتعتمد على الأسلحة التقليدية، والحرب بين دول متباعدة وبعيدة عن بعضها أصبحت كذلك شيئًا صعبًا لوجود الأشياء المضادة، فتلك الصورايخ التي تطلق من دولة بعيدة يمكن أن تسقط على دول أخرى ليست طرفًا في الحرب بينهما، وقد تكون تلك الصواريخ نووية أو مدمرة جدًا".
جميع الحقوق محفوظة لمصدر الخبر مصر العربية وتحت مسؤليتة ونرجوا متابعتنا بأستمرار لمعرفة أخر الأخبار علي مدار الساعة مع تحيات موقع موجز نيوز الأخباري