الحرب السعودية في لبنان.. الجميع يريدونها «باردة»

الحرب السعودية في لبنان.. الجميع يريدونها «باردة»
الحرب السعودية في لبنان.. الجميع يريدونها «باردة»

"لا أحد يريد إشعال الحرائق في لبنان".. لعل هذه، حتى الآن، هي خلاصة مواقف القوى الرئيسية، لبنانيا وإقليميا ودوليا، تجاه استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، في كلمة تليفزيونية ألقاها من العاصمة السعودية الرياض.

 

استقالة لم يكن الحريري، حتى بالنسبة للمقربين له، في وارد الإقدام عليها في هذا التوقيت وبهذه الطريقة، لولا أنه تعرض لضغوط سعودية، استهدفت رفع "الغطاء السني" الذي وفرته حكومة الحريري لحزب الله، بحيث يتفرغ الحزب لإنهاء حروبه في سوريا والعراق واليمن، دونما قلاقل تمس استقرار بيئته الحاضنة وخزانه البشري في لبنان.

 

بالطبع لم يقدم الحريري هذا الغطاء مجانا، فهذا ليس من طبع الساسة في لبنان، لكنه عاني بطالة سياسية قاسية خلال السنوات التي قضاها خارج الحكم، فاقم منها أزمة اقتصادية طاحنة ضربت شركته "سعودي أوجيه" بسبب تعنت السلطات السعودية في صرف مستحقات الشركة لديها، وفي النهاية اضطر الرجل لإعلان إفلاس شركته، والقبول بتسوية سياسية تعيده للحكم، بعدما رفضها لأكثر من عامين، لكن الرجل لم يكن ليتحمل بطالة السياسة والبزنس في آن واحد، ولعله راهن -أيضا- على "حصة معتبرة" من "كعكة" إعادة الإعمار في سوريا، تعيد ملء جيوبه الفارغة، وليس هناك أفضل من بوابة حزب الله للمرور إلى الأبواب السورية المغلقة.

 

صراع الأمراء

لم يقبل الحريري بتلك التسوية متجاوزا السعودية، لكنه نجح في استغلال لحظة ضبابية بدا فيها أن الرياض منشغلة بصراع الأمراء على كراسي الحكم، وعازمة على الانسحاب من المسرح السوري. ربما لم يحصل الحريري على "نعم" صريحة، لكنه أيضا لم يقابل بـ"لا" قاطعة، لذا مضى في مشروع التسوية، وتولى رئاسة الحكومة، فيما صعد الجنرال ميشال عون، حليف حزب الله، إلى قصر بعبدا الرئاسي، مصطحبا معه إلى مقاعد السلطة غريمه اللدود "سمير جعجع" زعيم حزب القوات اللبنانية، بحيث بدا المشهد كما لو أن لبنان في "طائف جديد" يجمع شتات كل الأطراف السياسية المتناحرة.

 

"حكومة منتجة".. هكذا وصف معظم اللبنانيين حكومة سعد الحريري، خاصة بعدما نجحت في انجاز قانون الانتخابات الذي تعثر لسنوات عدة، كما أقرت الحكومة مشاريع اقتصادية وانمائية متعددة، ومررت معظم التعيينات القائمة على المحاصصة الطائفية بأقل جدل ممكن، فالحريري لم يكن متعنتا، وحزب الله -هو الآخر- كان معنيا بتسهيل الأمر، لإنشغاله بما هو أهم، أما الرئيس عون وحليفه جعجع، فقد اعتبرا أنهما الرابحان الأكبر، فالحصة المسيحية في الحكم باتت تحت تصرفهما، بعدما ظلت لسنوات بيد الساسة المسلمين يوزعونها على ساسة مسيحيين أقل شأنا وتمثيلا.

 

صرح من خيال

فجأة أغلقت الأنوار وانهار كل شيء مع استقالة الحريري المفاجئة، كما لو كانت التسوية "صرحا من خيال فهوى".. وانقلب المشهد رأسا على عقب، وعاد بعض أقطاب فريق 14 آذار، الذي شكلت التسوية "إعلان وفاة" له، ليمسح التراب المتراكم على بذلاته، ويتصدر الشاشات مجددا، مستعيدا حديثه القديم عن نزع سلاح حزب الله واستعادة السيادة الوطنية.

 

في المقابل، كان قادة الصف الأول من الساسة اللبنانيين المخضرمين، يدركون أن الأمر ليس استقالة حكومة، وإنما المطلوب هو الدفع بلبنان إلى أتون الحرب الدائرة في الجوار والمنطقة.. وببساطة قرأ هؤلاء الرسالة السعودية الكامنة خلف الاستقالة، ومضمونها: "لم يعد مسموحا أن يشعل حزب الله الحرائق في جوار المملكة وأن يشكل رأس حربة للمشروع الإيراني المعادي بالمملكة.. بينما يتمتع الحزب في بيئته الداخلية بالاستقرار والاريحية التامة.. هذه المعادلة انتهت واستقالة الحريري بداية لها ما بعدها".

 

وبحسابات السياسة تبدو المعادلة السعودية منطقية، بل ومنصفة، فليس من المنطقي أن تسلف الرياض حزب الله، من خلال حليفها الحريري، استقرارا داخليا يساعده على الانبلاج خارجيا، وإزعاج المملكة في أكثر من نقطة اشتعال، خاصة على حدودها الجنوبية في اليمن.. وأبسط حسابات السياسة هي ضرب هذا الاستقرار، بما يضطر الحزب ولو جزئيا للحد من توسعه الخارجية، وتوظيف جزء من طاقته في ضبط محيطه الداخلي وإطفاء حرائقه.

 

كفى حروب

لكن للمعادلة وجه آخر، فاللبنانيون يعتقدون أنهم أخذوا نصيبهم كاملا من حروب الوكالة، ويكفيهم نحو ربع قرن من الحرب الأهلية.. كما أن زعماء الحرب الأهلية، الذين كانوا أسرى شعارات ومشاريع ايديولوجية وطائفية وقومية، قد رحلوا، ومن بقى منهم مع من ورث الراحلون، أصبحوا أقرب إلى رجال الأعمال وزعماء الاقطاعيات، الذين يهمهم المال والسياسة أكثر مما تعنيهم الحروب والمعارك... فالقيادات الثلاث الأبرز سنيا، الحريري وميقاتي والسنيورة، هم من فئة المليارديرات.. بينما جنبلاط وبري وعون، فبعضهم يجمع ما بين البزنس والاقطاعي السياسي، والبعض الآخر، وتحديدا عون، مشغول بالتوريث السياسي لصهريه وزير الخارجية جبران باسيل، وقائد المغاوير السابق في الجيش، شامل روكز.

 

حتى حزب الله الذي يعد استثناء من تلك المعادلة، فإن بيئته الداخلية تئن من وطأة الكلفة البشرية لتدخله في سوريا، حتى أنه بات يجد صعوبة في تجنيد مقاتلين من معاقله التقليدية في الضاحية والجنوب، ما دفعه للجوء إلى أشد المناطق الشيعية فقرا واحتياجا في البقاع.

 

الرؤوس الساخنة

باختصار، لا احد من الكبار في لبنان، لديه استعداد، ولا حتى قدرة، على خوض حرب بالوكالة نيابة عن السعودية مع حزب الله، لذا لم يكن مفاجئا أن يصر تيار المستقبل، الذي يتزعمه الحريري، على عودته إلى لبنان أولا، وتقديم استقالته بشكل مناسب ودستوري، ثم بعد ذلك لكل حادث حديث، وهي لغة هادئة، قابلها بنفس اللهجة الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله ورئيس الجمهورية ميشال عون، فالجميع تلاقى عند نقطة عودة الحريري أولا، وبالطبع فإن هذه العودة ليست هدفا في حد ذاته، فالحريري إذ عاد سيقدم استقالته، حتى من باب حفظ الهيبة وماء الوجه، لكن عندها ستكون "الرؤوس الحامية" قد هدأت والوقت للحوار الهادئ وليس للحرب.

 

لكن هذا ليس كل شيء، فالحروب في لبنان لم تكن دوما من فعل الكبار، وإنما تبدأ بمستصغر الشرر، ثم ينزلق إليها الجميع.. لذا فإن هناك بؤرتين هما الأكثر قابلة للاشتعال، الأولى هي مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، خاصة المخيم الأكبر والأخطر فيها، أي مخيم عين الحلوة، الذي يقع على الطريق الاستراتيجي الذي يربط معقل حزب الله في ضاحية بيروت الجنوبية، بباقي معاقله في جنوب لبنان. أما البؤرة الأخرى، فهي مخيمات اللجوء السوري، التي تتوزع في معظم لبنان، خاصة في مناطق الشمال السنية.

 

قرار استراتيجي

وبالنسبة للبؤرة الأولى، فلم يكن مفاجئا أن يسارع الرئيس الفلسطيني إلى الرياض عقب استقالة الحريري مباشرة، لإدراكه أن المخيمات الفلسطينية قد تكون أحد الأدوات التي تراهن عليها السعودية، حيث أثبتت التجربة أن "سنة لبنان" ليسوا "أهل حرب"، هكذا كان حالهم في الحرب الأهلية، ثم تكررت التجربة خلال اجتياح حزب الله لبيروت عام 2008، حيث انهارت المجموعات المسلحة التابعة للحريري خلال أقل من ساعتين.

 

ولعل عباس أراد في الرياض الإطمئنان، وكذلك التحذير، من أن استخدام ورقة المخيمات سيأتي بعواقب وخيمة، وأن سكانها لا يتحملون تهجيرا جديدا. موقف عباس، وعلى غير العادة، يبدو محل إجماع الفلسطينيين بكافة فصائلهم، وهو قرار استراتيجي تم اتخاذه عقب الحرب الأهلية اللبنانية، وقد أثبتت مأساة مخيم اليرموك في سوريا، ومن قبلها مأساة مخيم "نهر البارد" في لبنان، صحة ذلك القرار، حيث تسبب دخول المتشددين إلى المخيمين في هدمهما على رؤوس اللاجئين.

 

أما البؤرة الثانية، فقد احتاط لها حزب الله بشكل مبكر، حيث عمد إلى إحكام قبضته على مناطق الجرود المتاخمة للحدود مع سوريا، وكذلك فعل الجيش اللبناني في المناطق التي لا يمكن للحزب التحرك فيها، وبذلك بات الاتصال بين اللاجئين السوريين في لبنان والداخل السوري مقطوعا، وبالتالي فلا خطوط إمداد بالرجال أو السلاح، كما عقد حزب الله اتفاقات مع جماعات المعارضة السورية في المناطق القريبة من الحدود مع لبنان، من أجل إعادة اللاجئين إلى قراهم، وضمان عدم ملاحقة الجيش السوري وميليشياته للعائدين، محاولا بذلك التعجيل بتفكيك المخاطر المترتبة على اللجوء السوري في لبنان.

 

الخلاصة، هي أنه لا احد في لبنان يريد الانخراط في حرب مع حزب الله بالوكالة عن السعودية، وإن كان لابد من تلك الحرب، فلتكن "حربا باردة" عبر شاشات الفضائيات وقاعات الفنادق.

جميع الحقوق محفوظة لمصدر الخبر مصر العربية وتحت مسؤليتة ونرجوا متابعتنا بأستمرار لمعرفة أخر الأخبار علي مدار الساعة مع تحيات موقع موجز نيوز الأخباري

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى