في ذكرى رحيل المؤسس| المملكة تموت.. و«سعودية جديدة» تنهض

في ذكرى رحيل المؤسس| المملكة تموت.. و«سعودية جديدة» تنهض
في ذكرى رحيل المؤسس| المملكة تموت.. و«سعودية جديدة» تنهض

بعد 64 عاما على رحيله، بدت المملكة العربية السعودية التي أسسها الملك الراحل عبد العزيز آل سعود تتفكك وتوارى الثرى، بينما تتأسس على أنقاضها مملكة جديدة، ربما إن قدر لها البقاء.. فستكون مختلفة كثيرا عن تلك التي قامت في شبه الجزيرة العربية أوائل القرن الماضي(يناير 1902)، لكنه بعد قرن وعقدين من الزمان، بدا أن حفيد الملك المؤسس -الذي رحل في مثل هذا اليوم 9 نوفمبر/تشرين الثاني 1953- وولي العهد على مشارف بناء الدولة السعودية الرابعة التي لا تقف على تلك الأساسات التي أرساها جده.


ويكاد يجمع المؤيدون والمعارضون أن السعودية التاريخية التي عرفوها قديما قد انتهت بالفعل أو أوشكت، وأن ولي العهد السعودي الأمير الشاب الطامح للعرش «محمد بن سلمان» يحكم «سعودية جديدة»، يمتدحها المؤيدون، ويذمها المعارضون، لكنهم يتفقون أنها لم تعد تلك السعودية التي عرفوها طيلة 119 عاما، أو حتى طيلة 87 عاما منذ إعلانها مملكة سعودية وليست حجازية، كذلك يسميها مواقع خليجية(الخليج الجديد) هذه المرة «سلمانية» لا «سعودية» نسبة إلى الملك الحالي «سلمان بن عبد العزيز» وولده وولي عهده «محمد».

 

مستشار الديوان الملكي والمشرف العام على مركزالدراسات والشؤون الإعلامية «سعود القحطاني»، اعترف بصراحة أننا أمام مملكة جديدة تنهض: «من بين الرماد الملتهب العنقاء.. هذه السعودية الجديدة».

 

وفي ذكرى وفاة الملك المؤسس للسعودية «عبدالعزيز آل سعود» (15 يناير/كانون الثاني 1876 –9 نوفمبر/تشرين الثاني 1953)، تبدو مملكته القديمة التي قامت على الشق الشرعي ووحدة الأسرة المالكة وقد تغيرت ملامحها، إذ شهدت الأيام الماضية حملة اعتقالات شرسة مست العلماء والدعاة الذين كانوا دعامة رئيسية في تأسيس ملكه، وكذلك الأمراء من أبنائه وأحفاده، الذين استودع الملك فيهم.

 

خطوات التغيير المتسارع الذي يقوده «بن سلمان»، بدّل ملامح «السعودية القديمة» اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، إذ انبنت رؤيته الاقتصادية على السعي نحو التخلي عن النفط في موارد الدولة، وتجاوز العلاقات الدولية ليفتح الباب أمام روسيا تارة و(إسرائيل) تارة أخرى، فضلا عن تغييرات اجتماعية كبيرة، غيرت شكل المملكة وهزت هيبتها الدينية، وحاربت القيادات السلفية، وأدخلت المرأة مجالات ما كانت تسمح لها سابقا.

 

وباتت القاعدة الذهبية التي أرستها المملكة القديمة من «تلازم العرش والشرع» في مهب الريح، وأن هناك خطوات أخرى باتجاه الانعتاق من تلك العلاقة التاريخية، وتغيير قواعد الشرعية الدينية والسياسية، ليصير الشرع تابعا للعرش، وآمرا بلزوم طاعته، وليس مشاركا وحاميا ومحميا.

 

أما الأسرة المحظية، فقد تقاطر أبناؤها على الاحتجاز تترى، وسط غياب بيانات رسمية عن أعدادهم وأسمائهم بوضوح.

 

من البريطاني إلى الأمريكي

 

وما بين المملكة «السعودية» والمملكة «السلمانية» فروق تاريخية واستراتيجية كبيرة، أحدها أن المملكة القديمة قامت بدعم بريطاني، في وقت تسيدت فيه المملكة المتحدة العالم، ووقفت إلى جانب المملكة القديمة ودعمت رجالها بالسلاح والاعتراف، إلى أن اشتد عودها.

 

لكن «السعودية الجديدة» أو «السلمانية» قامت في الزمن الأمريكي، ولم يخف الدعم اللافت الذي أبداه رئيس أمريكا «دونالد ترامب» للخطوات التي قام بها ولي العهد «محمد بن سلمان» واعتقاله عشرات الأمراء ورجال الأعمال والوزراء السابقين والحاليين، وذلك رغم استثماراتهم بالمليارات في دول عديدة، لكن ترامب أيد تلك الاعتقالات بدعوى أن أولئك الأمراء والمسئولين نهبوا أموال البلد أعواما عديدة.

 

من الوهابية إلى العلمانية والاقتصادية

 

«السعودية القديمة» قامت على عماد الفكرة الشرعية السلفية أو الوهابية كما يسميها البعض، ودعمت انتشار هذه الفكرة وتوسعها زمنا، وظل مفتوها وعلماؤها يفتون بآرائها، وظل العرش يستمد شرعيته من الشرع، حتى إن الأسرة المالكة حين أجمعت على عزل الملك الثاني «سعود بن عبدالعزيز» وتولية «فيصل بن عبدالعزيز» مكانه، لم يتسن لها ذلك إلا عندما أفتت هيئة كبار العلماء بذلك، ودعا المفتي لبيعة «فيصل» ملكا.

 

لكن المملكة الوليدة، لم تقم على تلازم الشرع والعرش، وإنما جاءت أقرب للعلمانية، وتركزت رؤيتها ليس على الدعوة، وإنما على الاقتصاد، فحلت رؤية ولي العهد «2030» محل الدعوة الوهابية وبنودها وعقيدتها.

 

ويمكن القول إنه باستثناء العلم ومسمى المملكة، فإن البنية السياسية والاقتصادية ليست واحدة في المملكتين.

 

من الرفاهية للضرائب

 

فبينما قامت المملكة الأولى على رفاهية الشعب والمبالغة في إثرائه، دون تحميله بتبعات أي مسئولية اعتمادا على العائدات النفطية، فإن «رؤية السعودية 2030» قامت على أساس التحول بنمط جديد من الأداء الاقتصادي والتنمية، وإحداث الوظائف، وتغييرات اجتماعية تزيد قدرة السعودية على مواكبة العولمة، وكأنها كانت نقطة انطلاق مملكته الجديدة «السلمانية».وذلك بتعزيز القطاع غير النفطي، وإعلان إنشاء أضخم صندوق ثروة سيادي في العالم، وطرح 5% من أسهم شركة «أرامكو» للاكتتاب العام، ووضع بنية جديدة للاستثمارات السعودية في الخارج والداخل.

 

وتهدف الرؤية، إلى تنويع مصادر الطاقة، وفتح فرص استثمارية عديدة مثل التعدين، وصناعة الطاقة النووية، وبناء على الرؤية، تسعى «المملكة السلمانية» إلى إنشاء أكبر صندوق للثروة السيادية في العالم، عبر تسييل عوائد الاكتتاب العام لشركة النفط الأكثر قيمة في العالم، وخفض قيمة المساعدات لأحد الشعوب الأكثر حصولا على الدعم في العالم، وشملت الخطة تطبيق ضريبة المبيعات وضرائب الدخل وتخفيض الأجور الحكومية وهذا يعني انخفاض المرتبات لأكثر من ثلثي السعوديين.

 

المجتمع يتغير

 

الصعيد الاجتماعي في «المملكة الجديدة» كذلك شهد تغيرا لافتا، إذ أعادت السلطة الوليدة صيتغة العلاقة مع المجتمع، عبر جملة من القرارات التي تنمّ عن تحول تاريخي في اتجاه فك الارتباط السريع مع المؤسسة الدينية الرسمية، ومع المدرسة السلفية، التي مثّلت على الدوام «الأيديولوجيا غير الرسمية للدولة السعودية»، كأساس لمشروعية تاريخية وسياسية طويلة المدى.

 

كما أنه في خطوة مهمة، أعلن الملك إنشاء مجمع للحديث النبوي الشريف، بهدف تنقية الحديث النبوي مما علق به من نصوص وتفسيرات تبرر القتل والإرهاب، في مراجعة اعتبرها متخصصون أنها بمثابة الثورة على أسس السلفية الوهابية التي تبنتها العائلة المؤسسة والمالكة في السعودية منذ نحو قرن.

 

«هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» التي رآها كثيرون عصا المملكة وحامي السلفية الوهابية والمنفذ الأول لتلك الآراء الفقهية ومراقبا ومراقب المجتمع لأداء تعاليمها، خلال الشهور الماضية، أجرت المملكة تعديلات واسعة على صلاحياتها كذلك، وأدت تلك التعديلات إلى تقليص وجود الهيئة ونفوذها بشكل مفاجئ.

 

في مقابل تراجع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، دشنت المملكة «هيئة الترفيه» لتقوم على تنظيم فعاليات ثقافية وفنية وترفيهية في مناطق عدة بالمملكة، بعد أن ظلت غائبة عنها لسنوات طويلة.

 

وخلال الأشهر الأخيرة، فجرت أنشطة تلك الهيئة في مدن سعودية بينها جدة (غرب)، والرياض (وسط)، والدمام (شرق)، والتي تضمنت حفلات راقصة وغنائية، صراعا محتدما بين التيارين المحافظ والليبرالي.

 

وذكرت صحف غربية، أن السعودية ستكسر تقاليدها الدينية الصارمة وتفتح منتجعا على ساحل البحر الأحمر، حيث سيتم السماح للأجنبيات بارتداء «البيكيني» جنبا إلى جنب مع الرجال.

 

ولأول مرة تقام احتفالية اليوم الوطني في السعودية، بحضور العوائل في استاد الملك فهد بالرياض، قبل ان يتم الإعلان عن السماح للنساء والأطفال بحضور مباريات كرة القدم.

 

والشهر الماضي، واصل «بن سلمان»، سعيه نحو مملكته الجديدة، حين أكد أنه يريد أن تسود بلده «نسخة أكثر اعتدالًا للإسلام»، وإنه لتحقيق ذلك سيدفع باتجاه إصلاحات اجتماعية.

 

وضاربا بـ30 عاما ماضية، قال «بن سلمان» إن «السعودية ستعيش حياة طبيعية»، مشددا أنه لن يسمح بأن تضيع 30 سنة أخرى من حياة الشعب بسبب «الأفكار المتطرفة».

 

وسمحت السعودية في خطوة تاريخية، مؤخرا، للمرأة بقيادة السيارة، وألمحت إلى إمكانية السماح بإعادة فتح دور السينما قريبا، كما أعادت بعض الحفلات الغنائية إلى دور الموسيقى في الرياض وعلى شاشة القناة الرسمية.

 

قمع متزايد

 

النظام الأمني الوليد في «السعودية الجديدة»، زاد فيه القمع بشكل غير مألوف مسبقا، فاعتقل «بن سلمان» أعمامه وأبناءهم، وجمع من الأمراء والمسؤولين، رغبة منه في التخلص من خصومه تمهيدا لاعتلاء العرش، وهو التعامل غير المسبوق في تاريخ المملكة مع الأمراء الذين اعتادوا على معاملة جيدة حتى في حالات الاختلاف.

 

كما أن الحملة التي جاءت تحت مزاعم مكافحة الفساد، جاءت بعد أسابيع من حملة أخرى شملت عشرات الأكاديميين والدعاة، تحت مزاعم الصمت تجاه أزمة قطر.

 

في «المملكة الجديدة»، أيضا منع صحفيون وأكاديميون من التغريد، وحظرت مقالاتهم، ومنعوا من ممارسة أعمالهم، في مقابل الاحتفاء ولو في الخفاء بمن يمجدون الملك وولي عهده وقراراته.

 

صدام خارجي

 

الاختلافات بين المملكتين امتد للسياسة الخارجية أيضا، إذ اتسمت «المملكة الوليدة» بالصدام المتزايد خلافا لما دأبت المملكة السعودية قديما على رسمه لنفسها من كونها مرجعية للمسلمين وطرف حل وتصالح لا تصادم وقتال، فقاد «بن سلمان» حربا باليمن، متواصلة منذ 3 سنوات، دون تحقيق أي نتائج ملموسة على الأرض، فقد فيها من الجنود والأموال الكثير.

 

كما تصادمت المملكة مع إيران، التي قطعت علاقتها بها، وسط سجال واسع ومستمر واتهامات بالتدخل في الشؤون الداخلية، حتى وصل الأمر إلى حرب بالوكالة الأمر الذي قد يصل إلى حرب بالمنطقة، بحسب مراقبين.

 

كما قادت «المملكة السلمانية»، أكبر أزمة خليجية، لتقطع مع الإمارات والبحرين ومصر، علاقتها الدبلوماسية مع قطر، وتفرض حصارا عليها.

 

تطبيع

 

في «السعودية الجديدة»، انطلقت دعوات غير مسبوقة للتطبيع مع (إسرائيل)، رغم أن التصريح بهذا الأمر علناً كان من قبيل «التابوهات» (المحرمات)، قبل وصول «بن سلمان»، إلى رأس السلطة في المملكة.

 

وشهدت الفترة الأخيرة، تقارباً اقتصاديا غير رسمي بين الرياض و(تل أبيب)؛ حيث زار رجال أعمال ومسؤولون سعوديون سابقون (إسرائيل)، والتقطت عدسات الكاميرات مصافحات بين مسؤولين إسرائيليين وأمراء سعوديين؛ وهو أمر غير مسبوق، كما يؤكد «تركي الفيصل» بين حين وآخر أن التطبيع صار أقرب مما يظن كثيرون.

 

ولفت الأنظار كذلك أن البلدين يتشاركان معا النظرة إلى إيران على أنها «تهديد استراتيجي» لهما، وكلاهما حليفان وثيقان للولايات المتحدة.

 

يأتي ذلك بينما ظلت السعودية القديمة ومنذ قيام ما يعرف بـ(دولة إسرائيل) عام 1948، ترفض الاعتراف بها، ودعمت حقوق الشعب الفلسطيني في السيادة على الأراضي التي تحتلها (إسرائيل) منذ عام 1967.

 

ربما سيظل علم المملكة أخضر.. يحمل الشهادتين، وربما كذلك سيظل اسمها «السعودية» وليس «السلمانية» أو أي اسم آخر، لكن ما يجمع عليه خبراء السياسة والاجتماع.. هو أن اللون والاسم.. ليسا وحدهما من يحدد حقيقة وهوية البلد.

جميع الحقوق محفوظة لمصدر الخبر مصر العربية وتحت مسؤليتة ونرجوا متابعتنا بأستمرار لمعرفة أخر الأخبار علي مدار الساعة مع تحيات موقع موجز نيوز الأخباري

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى