اخبار السياسه زنــــزانــــــة

اخبار السياسه زنــــزانــــــة
اخبار السياسه زنــــزانــــــة

تمرُّ الساعات ثقيلة، مؤلمة، وكأن للزمن نبضات كهربائية تحرق أوصالي.. أفتح عينيَّ مثقلتين بالكثير من التخدير.. حدقتي تستقبل ضوء أصفر باهت يخترق نافذة لها قضبان.. أشم رائحة البحر والشواء، وأسمع صوت نورس جائع يعيش في جحور الجبال، وأرى ضوء الشمس أتوسل دفئَه أن يحتضن وَحشتي الباردة.. أحاول تحريك يدي أو قدمي فأجدهما مكبلين بالأصفاد الحديدية.. رأسي ثقيل كـ كرة بولينج صمّاء، في أي يومٍ نحن؟ وأين أنـــــا؟ كيف أصبحت هنا على حين غرّة؟

ابتلعت غصّة في حلقي ورغبةً في البكاء.. سمعت أذني صدى كلماتٍ من الماضي "آن أوان التطهير" عن أي تطهير كنت أتحدث؟ وعلى أي شخص سيقع التطهير؟، ثم عدت فسمعت صوت أفراد عائلتي يضحكون.. نفضت رأسي في الهواء طاردةً هواجس تجمّعت من آخر ذكرياتٍ لي.. جمعت بعض القوى بعد استعادتي لجزء من وعيي وحاولت تحرير أطرافي من الأغلال، ولكنها قويّة مُحكَمة.. تنادي أمي اسمي، وصوتي لا يخرج من حنجرتي، تلك الجافّة قطيعة صوتي؛ تذكرت الآن أنني من تركت صوتي خارج أبواب تلك الزنزانة!

تذكرت كم الأشياء التي تخليت عنها قبل أن أدخل هنا!

كيف فعلت هذا؟ ولِمَ؟ لا أتذكر بعد.. أغمضت عيني باحثةً عن أصل الحكاية، عن البداية، كيف كانت..

أذكر يديّ تفتحان باب الزنزانة، أذكر قدميّ تدلفان هناك دون مقاومة، كفّاي يسحبان أصفادي الحديدية خلفي.. دخلت وأغلقت الباب ورائي.. هواجس سمعيّة بصوت أمي تطاردني من جديد "لا تتركي نفسك لأحزانك، استفيقي ونحن معكِ" نفضت رأسي مجدداً في الهواء، فغادرني صوتها وغادرتني صورتها، ولكن عادت الهواجس بصوت أبي "الحياة مليئة بالتجارب القاسية، ولكن دوام الحال من المحال" تجاهلت الهواجس، وتجاهلت كلامهم، وغصت أكثر في ظلام الزنزانة، بل وأحببتها وآنستها أكثر من وجوه عائلتي .. كبّلت أطرافي بالأصفاد .. تعود هواجسهم خافتةِ الصوت والوقع "لا تتركي عقلك لتلك الشياطين".. تأخرتم كثيراً في تلك الجملة، ابتعلت المخدّر وذهبت في سبات عميق.

عادت رائحة البحر، وصوت النورس، وضوء الشمس، وصوت أمي "المياة زرقاء منعشة والسماء صافية والهواء عليل" تتحدث تستحثني للخروج، وبطرف عيني نظرت إليها وجسدي ممدد فوق الأريكة أمام تلفاز لا أشاهده منذ أيام، حتى أنّي لم أفكر بتغيير القناة، تحضر أمي لي الطعام وتأتي في اليوم التالي لتضع طبقاً آخر ممتلئ كالذي أخذته راحلة.. عدت بطرف عيني إلى التلفاز بحركةٍ آلية رتيبة.. ضربت أمي كفاً بـِ كف وتركتني مكبّلة بالأصفاد، وحيدة في زنزانة حبست فيها عقلي، رطبة قذرة.. أراقب من بعيد، رائحة البحر، وصوت النورس، وضوء الشمس الباهت.. مشتاقةً للحرية، مشتاقةً إلى نفسي.

جميع الحقوق محفوظة لمصدر الخبر الوطن وتحت مسؤليتة ونرجوا متابعتنا بأستمرار لمعرفة أخر الأخبار علي مدار الساعة مع تحيات موقع موجز نيوز الأخباري

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى