اخبار السياسه ننشر النص الكامل لكلمة البابا فرانسيس في مؤتمر السلام العالمي بالأزهر

اخبار السياسه ننشر النص الكامل لكلمة البابا فرانسيس في مؤتمر السلام العالمي بالأزهر
اخبار السياسه ننشر النص الكامل لكلمة البابا فرانسيس في مؤتمر السلام العالمي بالأزهر

حصلت الوطن علي نص كلمة البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، في مؤتمر الأزهر للسلام العالمي.

وبدأ بابا الفاتيكان خطابه، بالسلام باللغة العربية، قائلًا: "السلام عليكم".

وكان نص الكلمة:

"إنھا لَھِبة كبيرة أن أكونَ ھنا وأن أبد أَ زيارتي لمصرَ من ھذا المكان، مخاطبًا إياكم منَ ھذا المؤتمرِ الدوليّ للسلام.

أشكرُ الإمامَ الأكبرَ على عقد ھذاالمؤتمر وتنظيمه، وعلى دَعوَ تِه الكريمةِ لي.

أودُّ أن أتقدم إليكم ببعض الخواطر، وقد استَلھمتُھا من تاريخِ ھذه الأرضِ المجيد، ھذه الأرض التي تج لّتْعبرَ التاريخِ للعالم كأرضِ حضارةٍ وأرضِ عھود.

أرضُ حضارة، لقد كان التحضر الذي نَشَأ على ضفافِ النيل، منذُ القدَم، مُرادفًا للحضارة، فقد تألق نورُ المعرفة، وأنبتَ تراثًا حضاريًّا لا يُقدَّرُ بثَمَن، مجبولًا بالحكمةِ والذكاء، ومكتسباتٍ في علمِ الرياضياتِ وعلمِ الفلك، وبأشكالٍ بديعةٍ في الھندسةِ وفنّ الرسم.

وقد شكّل البحثُ عن المعرفةِ وقيمةِ التعليم خياري تنميةٍ مثمرين، اعتمدھما سكانُ ھذه الأرض القدامى.

ھما أيضًا خياران ضروريّان للمستقبل، خياران ينبعان من السلام ويھدفان إلى السلام، لأنّه ما من سلامٍ دون تربيةٍ مناسبةٍ للأجيالِ الصاعدة.

وما من تربيةٍ مناسبةٍ لشبابِ اليوم، إنْ لم يستجِب التعليمُ الذي يوَفرُ لَھم، لطبيعةِ الإنسان، الكائن المنفتح والعلائقيّ.

فالتربيةُ تتحوّلُ في الواقعِ إلى حكمةِ حياةٍ عندما تكونُ قادرة على أن تدفعَ الإنسانَ، بتواصلٍ مع الذي يجعلُه يسمو ومع ما يحيط به، لإعطاءِ أفضلَ ماعنده، فتكوِّنَ ھويّات غير منطوية على ذاتھا.

الحكمة تبحثُ عن الآخر، فتتخطى خطر التشدّد والانغلاق؛ كو نُھا منفتحة وفي حركةٍ دائمة، ووديعة ومجتھدة في الوقت عينه، فھي تعرفُ كيفَ تقيّمُ الماضي وتضَعُه في حوارٍ مع الحاضرِ، ولا تستغني عن إيجادِ تفسيرٍ مناسبٍ له.

وتحضّرُ الحكمة ھذه لمستقبلٍ، الھدفُ فيه ليس لسيادة الجانب الشخصيّ، إنما الآخر، كجزءٍ لا يتجزّأَ من الذات؛ ولا تتعبُ، في الحاضر، من انتقاء فرص التلاقي والمشاركة؛ وتتعلّمُ من الماضي أنّه لا ينبعُ من الشرّ إلّا الشرّ، ولا ينبعُ من العنفِ إلا العنف، في دوّامة تتحوّلُ في نھايةِ المطافِ إلى سجن.

ھذه الحكمة، إذ ترفضُ شھوة التعدّي، تُركّزُ على كرامة الإنسان، الثمين في عينيّ لله، وعلى أخلاقيّاتٍ تليقُ بالإنسان، رافضة الخوفَ من الآخرِ ومن.

المعرفةِ بواسطة الوسائلِ التي وھبَھا الخالقُ للإنسان، إننا مدعوّون دومًا، في مجالِ الحوارِ بالتحديد، ولا سيّما الدينيّ منه، إلى السيرِ معًا، مؤمنينَ أن مستقبلَ الجميع يتعلّقُ أيضًا باللقاءِ ما بين الأديان والثقافات.

ومِن ھذا المُنطَلَق، يقدّم لنا عملُ اللجنة المشتركة للحوار بين المجلس الحبري للحوار بين الأديان، ولجنة الأزھر للحوار مثلًا ملموسًا ومشجّعًا.

وباستطاعةِ ثلاثةِ توجّھات أساسيّة، إذا ما تمّ تنسيقھا بطريقةٍ جيّدة، أن تساعدَ في الحوار: ضرورة الھويّة، وشجاعة الاختلاف، وصدق النوايا.

ضرورة الھويّة، لأنّه لا يمكنُ تأسيس حوار حقيقيّ على الغموضِ أو على التضحية بما ھو صالح، من أجلِ إرضاء الآخر؛ شجاعة الاختلاف، لأنّه لا ينبغي أن أعاملَ مَن ھو مختلفٌ عنّي، ثقافيًّا أو دينيًّا، كعدوّ، بل أن أقب لَه كرفيقِ درب، باقتناعٍ حقيقيّ أن خير كلّ فردٍ يكمنُ في خيرِ الجميع.

إن التربية على الانفتاحِ باحترام، وعلى الحوارِ الصادقِ مع الآخر، مع الاعترافِ بحقوقهِ وبالحرّياتِ الأساسيّة، ولا سيما الحرية الدينيّة منھا، تشكّلا لطريقَ الأفضل لبناء المستقبل معًا، لنكون بناة حضارة. لأن البديل الآخر الوحيد لثقافة اللقاء ھو ثقافة الصدام.

لأنّه من الضروريّ، كي نواجه فعلًا بربريّة من يحرّض على الكراھية والعنف، أن نرافقَ ونقودَ إلى النضوجِ أجيالًا تجيبُ على منطقِ الشرّ المحرّض بنموٍّ صبور للخير: شبابًا، مثلا لأشجار الراسخة، يكونون متجذّرين في أرضِ التاريخ، ويحوّلون يوميًّا، فيما ينمون صوب العلي وجنبًا إلى جنب مع الآخرين، جوَّ الكرهِ الملوَّث إلى أكسيجين الأخوّة.

إننا مدعوّون، في ھذا التحدّ ي الحضاريّ المُلَحِّ والمشوِّ ق، مسيحي ين ومسلمين، والمؤمنين جميعًا، إلى تقديم مساھمتنا: "نعيش تحت شمس إله واحد رحيم، ويمكننا، من ھذا المنطلق، أن ندعو بعضنا بعضًا إخوة وأخوات، لأنّ حياة الإنسان دون لله تكون مثل السماء دون الشمس".

لتشرِق شمسُ أخوّة متجدّدة باسم لله وليَبزُغ من ھذه الأرض، التي تعانقھا الشمس، فجرُ ثقافة السلام واللقاء، بتضرعات القديس فرنسيس الأسيزي، الذي أتى مصر قبل ثمانية عقود وقابل السلطان مالك الكامل. أرضُ عھود. لم تشرق في مصر شمس الحكمة وحسب؛ بل شعَّ أيضًا على ھذه الأرض نورُ الأديان المتعدّد الألوان: "وھنا شكلت اختلافات الأديان "شكلًا من أشكالِ الغنى المتبادل في خدمةِ المجتمعِ الوطنيّ الأوحد".

إن عھودًا من ھذا النوع ھي مُلِحّة اليوم أكثر من أيّ وقت مضى. وأودّ أن أستخدمَ كرمزٍ، وأنا أتكلّم عنھا، "جبلَ العھدِ" الذي ينتصب شامخًا في ھذه الأرض.

يذكّرنا جبل سيناء قبل كلّ شيء، أنّه لا يمكنُ لعھدٍ في الأرض أن يصرفَ النظر عن السماء، وأنّه لا يمكن للإنسانيّة أن تصمّم على التلاقي بسلام، وھي تستبعد لله من الأفق، ولا حتى أن تصعد إلى الجبل كي تستحوذ على لله وثمّة خطر بأن يطغى تدبيرُ الشؤون الزمن يّة على الدين، وأن يقع ھذا الأخير، أي الدين، في شرك إغراءات السلطة الدنيوية التي، في الواقع، تستخدمه.

في عالم قد عَولَمَ العديدَ من الأدوات التقنية المفيدة، ولكن في الوقت عينه عولَم الكثيرَ من اللامبالاة والاھمال، والذي يتقدّم بسرعة محمومة، من الصعب تحمّلھا، نشعرُ بالحنين إلى الأسئلة الكبرى، التي تبرزھا الأديان، والتي توقظ ذاكرة الجذور الشخصيّة: دعوة الإنسان، الذي لم يُخلق لينتھي فيوھَن الشؤون الدنيويّة، إنما كي يسير نحو المطلق الأوحد الذي يتوق إليه.

لھذه الأسباب، ولا سيّما اليوم، فإن الدين ليس بمشكلة إنما ھو جزءٌ من الحلّ: لمحاربةِ الميل إلى الاسترخاء في حياةٍ دنيوية، حيث يولد كلّ شيء وينتھي ھھنا، يذكّرنا الدينُ أنّه من الضروري أن نرتفع بروحِنا إلى العلى كي نتعلّم كيف نبني مدينة البشر.

أودّ أن أشير، بھذا المعنى، وأنا شاخص بنظري مجددًا إلى جبل سيناء، إلى تلك الوصايا التي أعطيت ھناك، قبل أن تُكتَبَ على الحجر.

نحن مدعوّون بالتالي، كمسؤولين دين يّين، إلى فضح العنف الذي يتنكّر في زيّ القدسيّة المزعومة، ويستغلّ أشكال الأنانيّة التي تحولت إلى مُطلَق، بدلا لانفتاح الصادق على المُطلَق الأوحد.

لنكرّر معًا، من ھذه الأرض، أرض اللقاء بين السماء والأرض، وأرض العھود بين البشر وبين المؤمنين، لنكرر لا قويّة وواضحة لأيّ شكلٍ من أشكالِ العنف، والثأرِ والكراھية يرتكب باسم الدين أو باسم لله.

ولنؤكد سويّا استحالة الخلط بين العنفِ والإيمان، بين الإيمان والكراھية. ولنعلن معًا قدُسيّة كلّ حياةٍ بشريّة ضدّ أيّ شكلٍ من أشكال العنف الجسديّ، أو الاجتماعيّ، أو التربويّ أو النفسيّ.

إن الإيمان الذي لا يولَد من قلبٍ صادق ومن، الرحيم، ھو شكلٌ من أشكالِ العضويّة التعودية أو الاجتماعيّة التي لا تُحرِّرُ الإنسانَ إنما تًسحَقه! لِنَقلْ معًا: كلّما ننمو في الإيمان بمحبّة أصيلة كلّما ننمو في محبّة القريب! لكن الإيمان ليس بالطبع دعوة إلى فضح الشرّ وحسب؛ فھو يتضمّن الدعوة إلى تعزيز السلام، اليوم ربّما أكثر من أيّ وقت مضى.

ومھمّتنا، دون الاستسلام إلى توفيقيّة تصالحيّة، ھي أن نصلّي بعضنا لبعض سائلين لله نعمة السلام، وأن نتلاقى، ونتحاور ونوطد الانسجام بروحٍ من التعاون والصداقة. وكمسيحيين "لا نستطيع أن ندعو لله أبا لجميع البشر إذا رفضنا أن نسلك كإخوة تجاه أولئك المخلوقين على صورة لله".

ونعرف فضلًا عن ذلك، ونحن منغمسون في صراع مستمرّ ضدّ الشرّ الذي يھدّد العالم حتى لا يبقى ھذا العالم "موضِعًا لأخوّة حقيقيّة"، أن لله يحمل الذين يؤمنون بالمحبّة الإلھيّة على اليقين، بأن طريقَ المح بّة مفتوحةٌ أمام البشر أجمعين وأن الجھود لتوطيد أخوّة شاملة ليست باطلة.

بل ھي أساسيّة: فعند أبسط الأمور، في الواقع، تظھر الحاجة إلى رفع الأصوات، وإلى الاسراع في إعادة التسلّح من أجل الدفاع عن النفس: إنّنا بحاجة اليوم إلى بناة سلام، لا إلى محرّضين على الصراعات؛ إننا بحاجة إلى "رجال إطفاء"، لا إلى مُشعِلي النيران؛ إننا بحاجة إلى الدعاةِ إلى المصالحة، لا إلى المھدّ دين بالدمار.

إننا نشھد مع الأسف، من جھة، ابتعادًا عن واقع الشعوب باسم أھدافٍ لا تأخذُ أحدًا بعين الاعتبار، ومن جھة أخرى، كردّة فعل، برزت شعبويّات غوغائيّة، لا تساعد بالطبع في تعزيز السلام والاستقرار، ما من تحريضٍ على العنف يَضمَنُ السلام؛ وأيّ عملٍ أحاديّ، لا يولّد عمليّات بناءٍ مشتركة، إنما ھو في الواقع ھديّة لدعاة التطرّف والعنف.

من أجل تفادي الصراعات وبناء السلام، من الأساسيّ العمل على استئصال أوضاع الفقر والاستغلال، حيث يتأصّل المتطرّفون بسھولة أكبر؛ وعلى ردع تدفق الأموال والأسلحة نحو الذين يثيرون العنف.

وإن عدنا للسبب الأساسيّ، من الضروري وقف انتشار الأسلحة التي، إن تمّ تصنيعھا وتسويقھا، سوف يتمّ استخدامھا عاجلًا أو آجلًا. لا يمكن منع الأسباب الحقيقيّة لسرطان الحرب، إلّا إذا استطعنا كشف المناورات الخفية والملتوية التيتغذّية.

ويضع ھذا العمل المُلِحّ والخطير للغاية الحِمْلِ على كاھل مسؤولي الأمم، وعلى المؤسّسات، والتعليم، كما يقع على كاھلنا نحن المسؤولين تجاه الحضارة، والمدعوّين من لله، ومن التاريخ، ومن المستقبل، إلى بدء عمليّات سلام، كلٌّ في مجاله، دون التھرّب من وضع أسُس تحالف صلبة بين الشعوب والدول.

أرجو أن تتمكن، أرض مصر العريقة والعزيزة، بمعونة لله، أن تجيب على دعوتھا، دعوة الحضارة والعھد، وتساھم بنموّ عمليات سلام لھذا الشعب الحبيب ولمنطقة الشرق الأوسط بأسرھا.

السلام عليكم".

جميع الحقوق محفوظة لمصدر الخبر الوطن وتحت مسؤليتة ونرجوا متابعتنا بأستمرار لمعرفة أخر الأخبار علي مدار الساعة مع تحيات موقع موجز نيوز الأخباري

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى